بَعْدَهُ:
فَقَالَ لِي مَا الَّذِي تَشْكُو فَقُلْتُ لَهُ ... إنِّي هَوَيْتُ لِجَهْلِي بَعْضَ جِيْرَانِي
فَقَامَ يُعْجَبُ مِنْ قَوْلي وَقَالَ لَهُمْ ... إنْسَانُ سَوْءٍ فَدَاوُوهُ بِإنْسَانِ
٧٢٦٦ - جِسمٌ وَرُوح وَنَفس مَا لَهَا نَفسٌ ... فَافصِل وَصِل ثُمَّ كَرِّر فَهوَ ما رَمزُوا
يُقَالُ: إِنَّ جَمِيع عِلْمِ الكِيْمْيَاءِ مَرمُوزٌ فِي هَذَا البَيْتِ، وَهُوَ فِي وَصْفِ الإكْسِيْرِ، وَقَدْ بَسَطْنَا الشَّرْحَ فِي الحَاشِيَةِ المُقَابِلَةِ لِهَذِهِ.
قَوْلُهُ: جسْمٌ وَرُوحٌ وَنَفْسٌ. البَيْتُ. هُوَ يَصِفُ الإكْسِيْرَ وَالإكْسِيْرُ، اسمٌ مَعْنَاهُ الشَّافِي وَقَيْلَ مَعْنَاهُ: الدَّوَاءُ وَكَثِيْرٌ مِنَ الأطِبَّاءِ يُسَمُّونَ الدَّوَاءَ المُبَالَغَ فِي عَمَلِهِ إكْسِيْرًا فَهُوَ اسمٌ للجمِيع بِمَعْنَى النَّفَاذَ وَالبَلاغَ وَالشِّفَاءَ. قَالَ جَابِرُ بنُ حَيَّان فِي مَاهِيَةِ الإكِسِيْرِ هُوَ جَوْهَر ذُو طَبَائعَ أرْبَعَ عَدْلٍ وَقُوَى ثَلاثٍ عدلٍ مُتَشَاكِلَةٍ غَيْرِ مُتَفَرِّقَةٍ وَلَا مُتَزَايِلَةٍ ذَايِبٌ مُتَعَلِّق بِكُلِّ جَوْهَرٍ تُذِيْبُهُ النَّارُ غَائصٌ فِيْهِ بِلِبْسَةٍ مُنْبَسِطَةٍ عَلَيْهِ بلَؤيهِ مُقِيْمٌ فِيْهِ مَا بَقِيَ ذَلِكَ الجوْهَرُ بَعِيْدٌ مِنَ الفَسَادِ لا يُحِلُّهُ المَاءُ وَلَا تَحْرُقُهُ النَّارُ رُوحَ فِي فِعْلِهِ وَلِطْفِهِ وَجسَدٌ فِي قَوَامِهِ وَثَبَاتِهِ. وَالإكْسِيْرُ نَوعَانِ أحْمَر وَأبْيَضٌ فَالأحْمَرُ طَبيْعَتُهُ حَارٌ يَابِسٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَشْفٍ ولا شَعْثٍ مُعْتَدِل أشْبَهُ شَيءٍ بِالذَّهَبِ الإبْرِيْزِ الدَّائِرَ فِي الإذَابَةِ لا يُخَالِنُهُ إِلَّا فِي كُثْرَةِ صَبْغِهِ وَلُطْفِ جَسَدِهِ وَكَذَلِكَ البَيَاضُ فَإِنَّهُ بَارِد يَابِسٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصهُورٍ وَلَا مُتَقَيِّدٍ وَهُوَ أشْبَهُ شيءٍ بِالفِضَّةِ البَيْضَاءِ الخَالِصَةِ لا يُخَالِفُهَا فِي شَيءٍ إِلَّا فِي زِيَادَةِ بِيَاضِهِ وَفَرْطِ بَرْدِهِ وَلُطْفِ جَسَدِهِ وَهُوَ نَاقِصٌ إكْسِيْرِ الحُمْرَةِ.
قَالَت الحُكَمَاءُ: القَمَرُ عَلَى ثَلاثَةِ أجْزَاءٍ وَالشَّمْسُ عَلَى أرْبَعَةِ أجْزَاءٍ وَلأنَّ إكْسِيْرَ البَيَاضِ مَاءٌ وَهَواءٌ وَأرْضٌ وَنَارِيَّتُهُ مُسْتَغْرِقَةٌ غَيْرُ مَعْدُوْدَةٍ بِالجزْءِ وَإكْسِيْرُ الحُمْرَةِ مَاءٌ وَهوَاءٌ وَأرْضٌ وَنَارٌ. وَقَالُوا: لا يَكُون ذَهَبٌ إِلَّا مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٌ إِلَّا مِنْ فِضَّة لأنَّ إكْسِيْرَ الحُمْرَةِ فِي طَبيْعَة الذَّهَب وَإكْسِيْرَ البَيَاضِ فِي طَبيْعَةِ الفِضَّةِ حَتَّى أَنَّهُ لَولا رُوحَانِيَّتُهُمَا وَكثْرَةِ صبْغهُمَا وَلَطَافَةِ جَسَدَهُمَا لَكَانَا ذَهَبًا وَمُتَطَرِّقًا وَإِنَّمَا لَمْ يَتَطَرَّق الإكْسِيْرُ لأنَّ رُطُوبَتَهُ أكْثَرُ مِنْ رُطُوبَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَجَسَدهُ أقَلُّ مِنْ جَسَدَيهمَا فَلَمَّا جَمدَ صَارَ يَابِسًا نَحْوَ الفَتِيْتِ غَيْر لَزِج وَلَا غَلِيْظٍ يَمْتَدُّ تَحْتَ المِطْرَقَةِ فِيْهُمَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute