للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يَرْتَاعُ وَيَلْتَاعُ الْتِيَاعَ الصَّبِيِّ وَيَتَحَرَّقُ تَحَرُّقُ الثَّكْلَى وَيَلْجَأُ إِلَى الدَّمْعِ فَلَا يُرْفِدُهُ وَلَمْ يَرَنِي لِشُغْلِهِ بِمَا كَانَ فِيْهِ فَعَطَسْتُ فَالْتَفَتَ فَرَآنِي فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا رَبِيْعُ احْفَظْ عَلَيَّ لِسَانِكَ وَالبَابَ فَلَنْ تَظْفَرَ عَلَيَّ بِمِثْلِهَا بَعْدَ اليَوْمِ. أَمَّا هَذِهِ المُتَوَفَّاةُ المَاضيَةُ فَإنَّهَا كَانَتْ رَوْضَةَ العَيْنِ وَفَرْحَةَ القَلْبِ وَشَقِيْقَةَ النَّفْسِ وَمَرَادَ السُّرُوْرِ وَيَنْبُوعَ اللذَّةِ وَقِيْلَ الأفْرَاحِ وَكُنْتُ أسْتَرِيْحُ إلَيْهَا فِي أسْرَارِي وَأُفْرِشُهَا نَخَائِلَ صدْرِي وَخَبَايَا أمْرِي فَلَا تَجُوْزُ مُرَادِي وَلَا تَتَعَدَّى إيْثَارِي، وَهَذَا غَرِيْبٌ فِي الرِّجَالِ مَعْدُومٌ فِي النِّسَاءِ وَللَّهِ دَرُّ قَيْسُ بنِ ذرِيْحٍ إِذْ يَقُولُ:

فَإنْ تَكُنْ الدُّنْيَا بِلَيْلِي تَقَلَّبَتْ. البَيْتُ وَبَعْدَهُ (١):

لَقَدْ كَانَ فِيْهَا لِلأَمَانَةِ مَوْضِعٌ ... وَلِلْكَفِّ مُرْتَادٌ وَلِلْعَيْنِ مَنْظَرُ

وَلِلْحَائِمِ الصَّدآنِ رَيُّ يُقِرُّهُ ... وَلِلْهَائِمِ الوَلْهَانِ مَلْهًى وَمَسْكَرُ

فَقُلْتُ: يَا أمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ لَيْسَ هَذَا مَقَامُ مِثْلِي، وَلَكِنْ إِنْ أذِنْتَ قُلْتُ، قَالَ: قُلْ وَيْلَكَ وَمَا عَسَاكَ أنْ تَقُوْلَ؟ قُلْتُ: يَا أمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ إِنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا حَمَّلَكَ مِنْ عِبْءِ الخِلَافَةِ وَكَلَّفَكَ مِنْ ثِقْلِ الإمَامَةِ وَقَلَّدَكَ مِنْ أمْرِ الدِّيْنِ وَالدُّنْيَا حَجرَ عَلَيْكَ أنْ تَتَلَهَّفَ هَذَا التَّلَهُّفَ عَلَى عَرْضٍ مِنْ أعْرَاضِ الدُّنْيَا، وَهَلْ هَذِهِ المُتَوَفَّاةُ إِلَّا امْرَأةٌ لَهَا خَلَفٌ وَمِنهَا عِوَضٌ وعَنْهَا بَدَلٌ وَأَنْتَ فَلَا بَدَلَ مِنْكَ وَلَا عِوَضَ عَنْكَ ولك فِي اللَّهِ عِوَضٌ مِنْ كُلِّ هَالِكٍ وَخَلَفٍ مِنْ كُلِّ فَائِتٍ. فَقَالَ: صَهٍ فَإنِّي أجِدُ لِكَلَامِكَ مِثْلَ وَقْعِ السَّيْفِ وَللَّهِ ابْنُ أَبِي حُمْعَةَ حَيْثُ يَقُولُ (٢):

يَلُوْمُكَ فِي لَيْلَى وَعَقْلُكَ عِنْدَهَا ... رِجَالٌ وَلَمْ تَذْهَب لَهُم بِعُقُولِ

فَمَا انْتَفَعَتْ نَفْسِي بنا أمَرُوا بِهِ ... وَلَا عُجْتُ مِنْ أقْوَالِهِمْ بِفَتِيْلِ

ثُمَّ قَالَ: اخرُجْ إِلَى البَابِ فَالْزَمْهُ عَلَيَّ وَلَا تَأذَنْ لأحَدٍ، فَخَرَجْتُ وَعِنْدِي مِمَّا هُوَ فِيْهِ مَا لَا قَرَارَ مَعَهُ وَقُلْتُ هَذَا قَلْبٌ قَاسٍ وَإِنْ صَدَعَهُ الوَجْدُ هَلَكَ فَوَقَفْتُ بِالبَابِ وَإنَّ تَحَرُّقَهُ لَيَزِيْدُ وَنَحِيْبَهُ لَيَعْلُو، وَهُوَ يُرَدِّدُ قَوْلَ كُثَيِّرُ بن عَبْد الرَّحِمَنِ:


(١) البيتان في ديوان قيس بن ذريح: ٧٦، ٧٧.
(٢) الأبيات في ديوان كثير: ١١٢، ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>