للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

اعْتِمَادًا لِسِلْمِهِ، وَنُكُوْلًا عَنْ حَرْبِهِ، وَعَجْزًا عَنْ مُسَاجَلَةِ يَمِّهِ، وَهَذِهِ كَانَتْ شَاكِلَةُ الفَرَزْدَقِ فِيْمَا اسْتَمَرَّتْ لَهُ الإِغَارَةُ عَلَيْهِ مِنْ شِعْرِ جَمِيلٍ وَغَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ غَاوَرَ جَمَاعَةً مِنْ شُعَرَاءِ عَصْرِهِ عَلَى قِطَعٍ مِنْ أَشْعَارِهِمْ، وَاسْتَضَافَهَا إِلَى شِعْرِهِ، جَرَتْ فِي أَسَالِيْبِ كَلَامِهِ وَشَاكَهَ مَنْظُوْمُهَا بِارِعَ نِظَامِهِ، فَسَلَّمُوْهَا إِلَيْهِ رَاغِمِيْنَ، وَصَفَحُوا عَنْهَا لأمْرِهِ طَائِعِيْنَ.

أَخْبَرَ عَلِيُّ بن أَبِي غَسَّانَ عَنِ مُحَمَّدِ بنِ سَلَّامٍ عَنِ أَبِي يَحْيَى الضَّبِّيِ قَالَ: قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَوْمًا لَقَدْ قُك أَبْيَاتًا، إِنَّ لَهَا لَعَرَوْضًا، وَإنَّ لَهَا لَمرَدًّا وَمَعْنًى بِعِيْدًا. فَقَالَ لَهُ الفَرَزْدَقُ: وَمَا قُلْتَ؟ قَالَ قُلْتُ (١): [من الطويل]

أَحِيْنَ أَعَاذَتْ بِي تَمِيْمٌ نِسَاءهَا ... وَجُرِّدْتُ تَجْرِيْدَ اليَمَانِي مِنَ الغِمْدِ

وَمَدَّتْ بِضَبْعيَّ الرَّبَابُ وَمَالِكٌ ... وَعَمْرٌو وَشَالَتْ مِنْ وَرَائِي بَنُو سَعْدِ

وَمِنْ آلِ يَرْبُوْعٍ زُهَاءٌ كَأَنَّهُ ... دُجَى اللَّيْلِ مَحْمُودُ النِّكَايَةِ وَالوِرْدِ

فَقَالَ لَهُ الفَرَزْدَقُ: لَا تَعُوْدَنَّ فِيْهَا؛ فَأنَا أحَقُّ بِهَا مِنْكَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَعُوْدُ فِيْهَا أبَدًا، وَلَا أرْوِيْهَا إِلَّا لَكَ، فَهِيَ فِي قَصِيْدَتِهِ الَّتِي يَقُوْلُ فِيْهَا (٢): [من الطويل]

وَكُنَّا إِذَا القَيْسِيُّ نَبَّ عَنُوْدُهُ ... ضرَبْنَاهُ فَوْقَ الأُنْثَيَيْنِ عَلَى الكَرْدِ

وَزَعَمَ حَمَّادُ بن إسْحَاقَ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ أبي سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثنَا بِعضُ أصْحَابِنَا أَنَّ الفَرَزْدَقَ وَقَفَ عَلَى الشَّمَرْدَلِ اليَرْبُوْعِيِّ وَهُوَ يُنْشِدُ (٣): [من الطويل]

وَمَا بَيْنَ مَنْ لَمْ يُعْطِ سَمْعًا وَطَاعَةً وَبَيْنَ تَمْيِمٍ غَيْرُ حَزِّ الحَلَاقِمِ فَقَالَ الفَرَزْدَقُ: لتَتْرُكَنَّهُ، أَوْ لتَتْرُكَنَّ عِرْضَكَ.

فَقَالَ الشَّمَرْدَلُ: خُذْهُ لَا بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيْهِ، فَهُوَ فِي قَصِيْدَتِهِ الَّتِي أوَّلُهَا (٤): [من الطويل]


(١) لذي الرمة في ديوانه ٢/ ٦٦٣.
(٢) للفرزدق في ديوانه ١/ ١٧٨.
(٣) الأغاني ١٣/ ٣٥٦، الموشح ١٧١.
(٤) للفرزدق في ديوانه ٢/ ٣٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>