للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

حَتَّى إِذَا مَاتَ كُلُّ ذَامٍ ... وَخَلَصَ السِّرُّ وَالنِّجَارُ

عَادَتْ إِلَى جَوْهَرٍ لَطِيْفٍ ... عَيَانُ مَوْجُوْدِهَا ضِمَارُ

وَكَانَ أَبُو نوَّاسٍ قَدْ قَالَ (١):

عَاطَتْكَ رَيْحَانهَا العقارُ ... وَحَانَ منْ لتلك انْسِفَارُ

فَنْعِمْ بِهَا قَبْلَ رَائِعَاتٍ ... لَا خَمْرَ فِيْهَا وَلَا خُمَّارُ

بِنْتُ مَدَى الدَّهْرِ أَو أَسَفَّتْ ... كَبِيْرَةٌ شَانَهَا كُبَارُ

تَخَيَّرْتُ وَالنّجُوْم وَقْفٌ. البَيْتُ وَبَعْدَهُ:

فَلَمْ تَزَلْ تَأكل اللَّيَالِي ... جِثْمَانُهَا مَا بِهِ انْتِصَارُ

حَتَّى إِذَا مَاتَ كُلُّ ذَامٍ. البَيْتُ

قَالَ فَصَعُبَ عَلَى أَبِي نوَّاسٍ وَوَثَبَ فَجَذَبَ خِيَارًا وَجَثَى عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ (٢):

أَعِدْنِي يَا مُحَمَّدُ بنُ زُهَيْرٍ ... يَا عَذَابَ اللَّمُوْسِ وَالشُّطَّارِ

لَمْ لِمَاذا لِقِلَّةِ الأَشْعَارِ ... سَارَ شِعْرِي قَطِيْعَةً لِخِيَارِ

سُرِقَ السّارِقُوْنَ لَيْلًا وَهَذَا ... سَرَقَ الشِّعْرَ جَهْرَةً بِالنَّهَارِ

فَقَالَ لَهُ خَيَار رفْقًا فَلَمَّا اغْتَصبْنَاكَ مَا لَكَ وَلَا سَعَيْنَا عَلَى دَمِكَ وَإِنَّمَا اسْتَغْفَرْنَا كَلَامَكَ لِوَقْتِ حَاجَةٍ فَضَحكَ أَبُو نوَّاسٍ وَسَكَنَ وَقَالَ وَاللَّهِ لَا ادَّعَيْتُ هَذَا الشِّعْرَ أَبَدًا هُوَ لَكَ وَاصْطَلَحَا. قَوْلُ أَبِي نوّاسٍ تَخَيَّرْتُ وَالنُّجُوْمُ وَقْفٌ. أَي تَخَيَّرْتُ حِيْنَ خَلَقَ اللَّهُ الفَلكَ وَأَصْحَابُ النُّجُوْمِ يَزْعمُوْنَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ النُّجُوْمَ جَعَلَهَا مُجْتَمِعَةً وَاقِفَةً فِي بُرْجٍ وَاحِدٍ ثم سَيَّرَهَا مِنْ هُنَاكَ فَلَا تَزَالُ جَارِيَةً حَتَّى تَجْتَمِعَ فِي البُرْجِ الَّذِي بَدَأتْ مِنْهُ فَحِيْنَئَذٍ تَقُوْمُ القِيَامَةُ وَيَبْطلُ العَالَمُ. وَزعمَ الهِنْدُ إِنّها فِي زَمَنِ نُوْحٍ عَلَيهِ السَّلَامُ اجْتَمَعَتْ فِي الحُوْتِ إِلَّا يَسِيْرًا مِنْهَا فَهَلَكَ الخَلْقُ بِالطَّوَفَانِ وَبَقِيَ مِنْهُمْ بِقَدَرِ مَا بَقِيَ مِنْهَا خَارِجًا عَنْ الحُوْتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.


(١) الأبيات في ديوان أبي نواس (ابن منظور): ١٤١.
(٢) الأبيات في ديوان أبي نواس (ابن منظور): ١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>