كَانَ أَبُوْ الطَّيِّبِ المُتَنَبِّيِّ يَأْخُذُ أَقْوَالَ الحُكُمَاءِ القُدَمَاءِ المُسْتَحْسَنَةِ وَيَصُوْغهَا في الأَلْفَاظِ الرَّائِعَةِ المُسْتَعْذَبَةِ فَيَجِيْءُ شِعْرُهُ كَمَا تَرَى. قَالَ أَرِسطَاطَالِيْسُ: كُرُوْرُ الأَيَّام أَحْلَامٌ وَغذَاؤُهَا أَسْقَامٌ وَآلَامٌ أَخَذَهُ المُتَنَبِّيُّ فَقَالَ:
فَإِنَّمَا يَقَظَاتُ العَيْنِ كَالحُلُمِ
وَقَالَ أَرِسْطَاطَالِيْسُ: الحَيَوَانُ كُلُّهُ مُتَقَلِّبٌ وَلَيْسَ مِنَ السِّيَاسَةِ شَكْوَى بَعْضٍ إِلَى بَعْضٍ أَخَذَهُ المُتَنَبِّيُّ فَقَالَ:
لَا تَشْكُوَنَّ إِلَى خُلْقٍ فَتَشْتِمُهُ ... شَكْوَى الجرِيْحِ إِلَى العُقْبَانِ وَالرّخَمِ
وَقَالَ أَرِسطَاطَالِيسُ: النَّفْسُ الشَّرِيْفَةُ تَرَى المَوْتَ بَقَاءً في طَلَب الذِّكْرِ الجمِيْلِ أَخَذَهُ المُتَنَبِّيُّ فَقَالَ:
سُبْحَانَ خَالِقِ نَفْسِي كَيْفَ لذَّتهَا ... بِمَا النُّفُوْسُ تَرَاهُ غَايَة الأَلَمِ
قَالَ كَاتِبُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: كُلُّ شَاعِرٍ حَاذِقٍ إِذَا أَخَذَ المَعْنَى اللَّطِيْفَ المُسْتَحْسَنَ وَرَكَّبَهُ في اللَّفْظِ الفَصِيْحِ المُسْتَعْذَبِ سَارَ شِعْرُهُ وَعَلَا قَدرهُ لأَنَّ الشِّعْرَ لَفْظٌ وَمَعْنًى فَإِذَا جَادَا جَاءَ الشِّعْرُ كَذَلِكَ فَهُوَ النّهَايَةُ.
أميّة بن أبي الصَّلت:
١٦٤٨٢ - هَوِّنُ عَلَيكَ فَإِن الأُمُو ... رَ بِكَفِّ الإِلهِ مَقَادِيرُهَا
بَعْدَهُ:
فَلَيْسَ يَأتِيْكَ منتهِيًا ... وَلَا قَاصِرًا عَنْكَ مَأمُوْرُهَا
وَلَا يُفْرِحَنَّكَ وِرْدُ الأُمُوْرِ ... وَلَا يقنِطَنَّكَ تَأخِيْرُهَا
فَإِنَّ الَّذِي بِكَ مِن عُسْرِهَا ... يُفَرِّجُهُ عَنْك مَيْسُوْرُهَا
تَمَثَّلَ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى المِنْبَرِ وَقَدْ ذَكَرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ في الجاهِلِيَّةِ وَمَا آلَ أَمْرُهُ إِلَيْهِ في الإِسْلَامِ.
١٦٤٨٢ - البيتان في الأمثال لابن سلام: ١٩٣.