للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: إن علم المعاني والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن، فضلًا عن معرفة مقاصد كلام العرب، إنما مداره عن معرفة مقتضيات الأحوال: حال الخطاب من جهة نفس الخطاب، أو المخاطِب، أو المخاطَب، أو الجميع؛ إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالين، وبحسب مخاطبين، وبحسب غير ذلك، كالاستفهام لفظه واحد ويدخله معانٍ أخر من تقرير وتوبيخ وغير ذلك، وكالأمر يدخله معنى الإباحة والتهديد والتعجيز وأشباهها. ولا يدل على معناها المراد إلا الأمور الخارجة، وعمدتها مقتضيات الأحوال: وليس كل حال يُنقل ولا كل قرينة تقترن بنفس الكلام المنقول، وإذا فات نقل بعض القرائن الدالة فات فهم الكلام جملة، أو فهم شيء منه، ومعرفة الأسباب رافعة لكل مشكل في هذا النمط فهي من المهمات في فهم الكتاب ولا بد، ومعنى معرفة السبب هو معنى معرفة مقتضى الحال، وينشأ عن هذا الوجه.

الوجه الثاني: وهو أن الجهل بأسباب التنزيل موقع في الشبه والإشكالات، ومورد للنصوص الظاهرة مورد الإجمال حتى يقع الاختلاف، وذلك مظنة وقوع النزاع ويوضح هذا المعنى ما روى أبو عبيد١ عن إبراهيم التيمي قال: خلا عمر ذات يوم، فجعل يحدث نفسه: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد [فأرسل إلى ابن عباس فقال: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد] ٢ وقبلتها واحدة؟

فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين إنا أنزل علينا القرآن فقرأناه، وعلمنا فيم نزل وأنه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن ولا يدرون فيم نزل، فيكون لهم فيه رأي فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا. قال: فزجره عمر وانتهره، فانصرف ابن


١ هو القاسم بن سلام في كتابه "فضائل القرآن" باب فضل علم القرآن والسعي في طلبه "مخطوط الورقة ١٣ب و١٤أ"، و"الخبر في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" للخطيب البغدادي "٢/ ٢٨٥" في كتب أحاديث التفسير، ونحوه في "سير أعلام النبلاء" للذهبي "٣/ ٢٣٤".
٢ ما بين المعقوفين ساقط من "الموافقات" استدركته من "فضائل القرآن".

<<  <  ج: ص:  >  >>