الوَجْهُ الخامِسُ: أَنَّ هَذِهِ الآية َ ليْسَتْ مُخالفة ً- وَلا تَصْلحْ أَنْ تَكوْنَ مُخالِفة ً- لِلأَحَادِيْثِ المتوَاتِرَةِ النّاهِيَةِ عَنْ ذلِك َ، وَإنمَا هِيَ مُوَافِقة ٌ لهَا، مُصَدِّقة ٌ بهَا. فقدْ أَخْبَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باِتخاذِ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى قبوْرَ أَنبيَائِهمْ وَصَالِحِيْهمْ مَسَاجِدَ، وَقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ أُوْلئِكَِ إذا مَاتَ فِيْهمُ الرَّجُلُ الصّالِحُ، بنوْا عَلى قبْرِهِ مَسْجدًا، وَصَوَّرُوْا فِيْهِ تِلك َ التَّصَاوِيْر» رَوَاهُ البخارِيُّ في «صَحِيْحِهِ» (٤٢٧)، (١٣٤١)، (٣٨٧٣) وَمُسْلِم (٥٢٨).
وَالله ُ أَخْبَرَ كذَلِك َ في كِتَابهِ بذَلِك َ، فقالَ سُبْحَانهُ: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً}. فالآية ُ مُصَدِّقة ٌ لِلأَحَادِيْثِ لا مُخالِفة.
تنبيه
قدْ أَوْرَدَ الشَّيْخُ الأَلبانِيُّ - رَحِمَهُ الله ُ، وَغفرَ لهُ - هَذِهِ الشُّبْهَة َ في كِتَابهِ القيِّمِ «تَحْذِيْرِ السّاجِدِ، مِنَ اتخاذِ القبوْرِ مَسَاجِد» (ص٦٥ - ٧٨) وَرَدَّهَا مِنْ وُجُوْهٍ عِدَّةٍ فأَحْسَنَ، عَدَا أَنَّ وَجْهَيْهِ الأَوَّليْن ِ في رَدِّهَا لا يسَلمَان ِ لهُ، بَلْ هُمَا مَرْدُوْدَان.
* فإنهُ ذكرَ الوَجْهَ الأَوَّلَ فقالَ: (إنَّ الصَّحِيْحَ المتقرِّرَ في عِلمِ الأُصُوْل ِ: أَنَّ شَرِيْعَة َ مَنْ قبْلنا ليْسَتْ شَرِيْعَة ً لنا، لأَدِلةٍ كثِيْرَة).
* ثمَّ ذكرَ الوَجْهَ الثّانِي فقالَ: (هَبْ أَنَّ الصَّوَابَ قوْلُ مَنْ قالَ: «شَرِيْعَة ُ مَنْ قبْلنا شَرِيْعَة ٌ لنا»: فذَلِك َ مَشْرُوْط ٌ عِنْدَهُمْ، بمَا إذا لمْ يرِدْ في شَرْعِنَا مَا يُخالِفه).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute