للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثورة رجال التجديد:

هنالك ثار المجددون المتنورون وعيل صبرهم، وأصبحوا حرباً لرجال الدين وممثلي الكنيسة والمحافظين على القديم، ومقتوا كل ما يتصل بهم ويعزى إليهم من عقيدة وثقافة وعلم وأخلاق وآداب، وعادوا الدين المسيحي أولاً والدين المطلق ثانياً، واستحالت الحروب بين زعماء العلم والعقلية، وزعماء الدين المسيحي، - وبلفظ أصح الديانة والبوليسية - حرباً بين العلم والدين مطلقاً، وقرر الثائرون أن العلم والدين ضرتان لا تتصالحان، وأن العقل والنظام الديني ضدان لا يجتمعان، فمن استقبل أحدهما استدبر الآخر، ومن آمن بالأول كفر بالثاني، وإذا ذكروا الدين، ذكروا تلك الدماء الزكية التي أريقت في سبيل العلم والتحقيق، وتلك النفوس البريئة التي ذهبت ضحية لقسوة القساوسة ووساوسهم، وتمثل لأعينهم وجوه كالحة عابسة، وجباه مقطبة، وعيون ترمي بالشرر، وصدور ضيقة حرجة، وعقول سخيفة بليدة، فاشمأزت قلوبهم وآلوا على أنفسهم كراهة هؤلاء وكل ما يمثلونه، وتواصوا به وجعلوه كلمة باقية في أعقابهم.

تقصير الثائرين وعدم تثبتهم:

ولم يكن عند هؤلاء الثائرين من الصبر والمثابرة على الدراسة والتفكير، ومن الوداعة والهدوء، ومن العقل والاجتهاد ما يميزون به بين الدين ورجاله المحتكرين لزعامته، ويفرقون بين ما يرجع إلى الدين عن عهدة ومسئولية، وما يرجع إلى رجال الكنيسة من جمود وجهل واستبداد وسوء تمثيل، فلا ينبذوا الدين نبذ النواة، ولكن الحفيظه وشنآن رجال الدين والاستعجال لم يسمح بالنظر في أمر الدين والتريث في شأنه كغالب الثوار في أكثر الإعصار والأمصار.

ولم يكن عندهم من صدق الطلب والنصيحة لأنفسهم وأمتهم وسعة الصدر ما يحملهم على النظر في الدين الإسلامي الذي كان يدين به أمم معاصرة لهم، الدين الذي يخلصهم من هذه الأزمة و {يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} . ولكن حمية الجاهلية والسدود

التي أقامتها الحرب الصليبية بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي ودعاية الكهنة ورجال الكنيسة ضد الإسلام وصاحب رسالته عليه الصلاة والسلام، وعدم تجشم التعب

<<  <   >  >>