والمطالعة، وقلة الحرص على النجاة الأخروية والاهتمام بما بعد الموت، زد إلى ذلك تفريط المسلمين في التبشير الإسلامي، ونشر الإسلام في أوربا، كل ذلك منعهم من الرجوع إلى الدين الإسلامي والأخذ به في ساعة كانوا يحتاجون إليه حاجة السليم إلى راق والمسموم إلى ترياق.
اتجاه الغرب إلى المادية:
وعلى كل فقد وقع المحذور وانصرف اتجاه الغرب إلى المادية بكل معانيها، وبكل ما تتضمنه هذه الكلمة من عقيدة ووجهة نظر ونفسية وعقلية وأخلاق واجتماع وعلم وأدب وسياسة وحكم، وكان ذلك تدريجياً، وكان أولاً ببطء وعلى مهل، ولكن بقوة وعزيمة، فقام علماء الفلسفة والعلوم الطبيعية ينظرون في الكون نظراً مؤسساً على أنه على أنه لا خالق ولا مدبر ولا آمر، وليس هناك قوة وراء الطبيعة والمادة تتصرف في هذا العالم وتحكم عليه وتدبر شئونه، وصاروا يفسرون هذا العالم الطبيعي، ويعللون ظواهره وآثاره بطريق ميكانيكي بحت، وسموا هذا نظراً علمياً مجرداً وسموا كل بحث وفكر يعتقد بوجود إله ويؤمن به طريقاً تقليدياً لا يقوم عندهم على أساس العلم والحكمة، واستهزأوا به واتخذوه سخرياً، ثم انتهى بهم طريقهم الذي اختاروه وبحثهم ونظرهم إلى أنهم جحدوا كل شيء وراء الحركة والمادة، وأبوا الإيمان بكل ما لا يأتي تحت الحس والاختبار، ولا يدخل تحت الوزن والعد والمساحة، فأصبح - بحكم الطبيعة وبطريق اللزوم الإيمان بالله وبما وراء الطبيعة، من قبيل المفروضات التي لا يؤيدها العقل ولا يشهد بها العلم.
إنهم لم يجحدوا بالله إلى زمن طويل، ولم يكاشفوا الدين العداء، ولم يجحدوا به كلهم، ولكن منهج التفكير الذي اختاروه، والموقف الذي اتخذوه في البحث والنظر لم يكن ليتفق والدين الذي يقوم على الإيمان بالغيب وأساسه الوحي والنبوة ودعوته ولهجه بالحياة الأخروية، ولا شيء من ذلك يدخل تحت الحس والاختبار ويصدقه الوزن والعد والمساحة، فلم يزالوا يزدادون كل يوم شكاً في العقائد الدينية.
افتضاح المادية في الدور الأخير:
ولكن رجال النهضة الأوربية ظلوا قروناً يجمعون بين النظر المادي الجاحد والحياة المادية، والطقوس الدينية المسيحية، بالتقليد أو بتأثير المحيط الذي لا يزال في