فأصبحت الحياة في أوربا في القرنين التاسع عشر والعشرين نسخة صادقة من الحياة في يونان وروما الوثنيتين الجاهليتين، وعادت الطبيعة الأوربية (التي كانت النصرانية الشرقية قد قهرتها) جذعة.
ولا غرابة في ذلك، فالأوربيون اليوم إنما ينحدرون من أولئك اليونان والرومان، والسلائل الأوربية الأخرى ترى ديناً خلواً من الروحانية، كما لاحظ الدكتور ((هاس)) في ذكر الحضارة اليونانية.
وترى رقة الدين وقلة الخشوع والجد في أعماله. وكثرة اللهو والطرب في الحياة، كما ذكر ((ليكي)) عن الديانة اليونانية، وهو نتيجة الوضع الديني الذي وصلت إليه أوربا، فإنه لا يتفق والخشوع لله والجد في عبادته، ونتيجة تلك النظريات والغايات التي وصل إليها علماء الطبيعة والحكمة في أوربا وأعلنوها تلقاها الجمهور بالقبول وحلت محل الدين.
وترى كذلك تهافتاً على ملذات الحياة تهافت الظمآن على الماء والفراش على النار، والحرص على اقتطاف جني الحياة وثمارها باليدين، كما وصف به سقراط الرجل الجمهوري اليوناني في عصره.
وكذلك ترى شكاً في الدين واضطراباً في العقيدة واستخفافاً بالنظام الديني وطقوسه وتقاليده، كما رأيت في روما بعد التنور.
ديانة أوربا اليوم المادية لا النصرانية:
فمما لاشك فيه أن دين أوربا اليوم الذي يملك عليها القلب والمشاعر ويحكم على الروح هو المادية لا النصرانية، كما يعلم ذلك كل من عرف النفسية الأوربية واتصل بالأوربيين عن
كثب لا عن كتب، بل وعن كتب أيضاً - ولم ينخدع بالمظاهر الدينية التي تزيد في أبهة الدولة والتي يجد فيها الشعب ترويحاً للنفس وتنوعاً، ولم ينخدع بزيارتهم للكنائس وحضورهم في تقاليدها.
وقد بين ذلك في وضوح وصراحة الأستاذ الألماني المهتدي محمد أسد السابق ذكره في كتابه:((الإسلام على مفترق الطرق)) قال: