للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

((لا شك أنه لا يزال في الغرب أفراد يعيشون ويفكرون على أسلوب ديني ويبذلون جهدهم في تطبيق عقائدهم بروح حضارتهم، ولكنهم شواذ، إن الرجل العادي في أوربا، ديمقراطياً كان أو فاشياً، رأسمالياً كان أو اشتراكياً، عاملاً باليد أو رجلاً فكرياً، إنما يعرف ديناً واحداً، وهو عبادة الرقي المادي والاعتقاد بأنه لا غاية في الحياة غير أن يجعلها الإنسان أسهل، وبالتعبير الدارج ((حرة مطلقة)) من قيود الطبيعة، أما كنائس هذا ((الدين)) فهي المصانع الضخمة ودور السينما والمختبرات الكيماوية ودور الرقص ومراكز توليد الكهرباء، وأما كهنتها فهم رؤساء الصيارف والمهندسون والممثلات وكواكب السينما وأقطاب التجارة والصناعة والطيارون والمبرزون الذين يضربون رقماً قياسياً، ونتيجة هذه النهامة للقوة، والشره للذة، النتيجة اللازمة ظهور طوائف متنافسة مدججة بالسلاح، والاستعدادات الحربية، مستعدة لإبادة بعضها بعضاً إذا تصادمت أهواؤها ومصالحها، أما في جانب الحضارة فنتيجتها ظهور طراز للإنسان يعتقد الفضيلة في الفائدة العملية، والمثل الكامل عنده والفارق بين الخير والشر هو النجاح المادي لا غير (١)) .

((إن الحضارة الغربية لا تجحد الله في شدة وصراحة، ولكن ليس في نظامها الفكري موضع لله في الحقيقة ولا تعرف له فائدة ولا تشعر بحاجة إليه (٢)) .

ربما يقلل من قيمة هذه الشهادات على مركز الدين في الحياة الأوربية ومدى تأثيره كون صاحبها قد انتقل من النصرانية إلى الإسلام ومن أوربا إلى الشرق الإسلامي، فها هنا شهادة

أصرح منها وأدل على اضمحلال الدين الرسمي في أكبر مراكزه، واستنكاف أهله من الانتساب إليه لأحد كبار المعلمين في ((لندن)) وكتاب الإنكليزية البارزين.


(١) Islam At the Cross Roads, p. ٥٠. Fifth Edition.
(٢) . Islam At the Cross Roads, p, ٤٠

<<  <   >  >>