أما التذرع بأن هذه الحروب إنما نصبت للدفاع عن الديمقراطية وعن عصبة الأمم، وضد الفاشية والاعتداء فلا يغير من الموقف شيئاً (١)) .
الفرق بين حكم الجباية، وحكم الهداية:
روي أن عمر بن عبد العزيز خليفة المسلمين قال لعامله مرة:((ويحك إن محمداً صلى ... الله عليه وسلم بُعِث هادياً ولم يُبْعَثْ جابياً)) وهذه الجملة تعرب عن روح الحكومة الدينية التي تتأسس على منهاج النبوة، وتسير على آثار الأنبياء وخطتها وسياستها، فتكون عنايتها واهتمامها بالدين وبإصلاح أخلاق المحكومين وبما يعود عليهم بالنفع والضرر في الآخرة أكثر من اهتمامها بالجباية والخراج وأنواع المحاصيل والإيراد، وتنظر في جميع مسائل السياسة والمالية من الوجهة الدينية وتقدم المبادئ الدينية والخلقية على المنافع والمصالح المادية، فتمنع الخمر وتحرم الزنا وأنواع الخلاعة والفجور والعقود المالية الفاسدة النافعة للأفراد المضرة بالمجتمع، فتحظر الربا والقمار وإن كان ذلك يرجع على الحكومة بالخسارة المادية الفادحة، وتشرع مشاريع إصلاحية وتراقب الأخلاق وتعنى بتهذيب النفوس، وإن كان ذلك يكفلها أموالاً طائلة وميزانية ضخمة، ونتيجة هذا النوع من الحكومات إذا قامت في بلاد مَّا بَّينها القران وتنبأ بها للمهاجرين الأولين:{الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}
أما الحكومات التي تقوم للجباية لا للهداية، وللانتفاع لا للنفع، فطبيعي أن تكون عنايتها مصروفة إلى أنواع الخراج والمحاصيل والغلات، وكثيراً ما يكون ذلك على حساب الأخلاق والفضائل والنظام المنزلي، فتبيح أنواعاً كثيرة من الخلاعة والفجور بقيود تنظمها ولا تمنعها، فتسمح بالبغاء الرسمي، وقد ترابي نفسها وتبيح القمار، وكثيراً من الجنايات
والجرائم الخلقية بتغيير الأسماء وتحديد بعض الأشياء تأميناً لمصالحها، ولا تبيح الخمر فقط بل تبيعها وتتولى تجارتها وتنظيمها وتحاكم