للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

((يظهر أن الحضارة العصرية لا تستطيع أن تنتج رجالاً يملكون الابتكار والذكاء والجرأة. وفي كل قطر تقريباً يرى الإنسان في الطبقة التي تباشر إدارة الأمور وتملك زمام البلاد انحطاطاً في الاستعداد الفكري والخلقي.

إننا نلاحظ أن الحضارة العصرية لم تحقق الآمال الكبيرة التي عقدتها بها الإنسانية وإنما أخفقت في تنشئة الرجال الذين يملكون الذكاء والإقدام الذي يسير بالحضارة على الشارع الخطر الذي تتعثر عليه، إن الأفراد والإنسانية لم تتقدم بتلك السرعة التي تقدمت بها المؤسسات التي نبعث من عقولها، إنها هي نقائص القادة السياسيين الفكرية والخلقية وجهلهم الذي يعرض أمم العصر للخطر (١)) .

((إن الوسط الذي أنشأه العلوم الطبيعية وعلم الصناعات للإنسان لا يناسب الإنسان لأنه مرتحل لم يقم على تصميم وتفكير سابق، ولم يراع فيه الانسجام مع شخصية الإنسان، إن هذا الوسط الذي هو وليد ذكائنا واختراعاتنا لا يطابق قاماتنا ولا أشكالنا، نحن غير مسرورين، نحن في انحطاط الأخلاق وفي العقول، أن الأمم التي ازدهرت فيها الحضارة الصناعية وبلغت أوجها هي أضعف مما كانت، وهي تسير سيراً حثيثاً إلى الهمجية ولكنها لا تدرك ذلك، إنه لا حارس لها من المحيط الثائر الذي أقامته العلوم الطبيعية حول هذه الأمم. الحق يقال إن حضارتنا - كالحضارات التي تقدمتها - قد فرضت شروطاً للبقاء ستجعل - لأسباب لا تزال مجهولة - الحياة محالاً، إن علمنا بالحياة وكيف يجب أن يعيش الإنسان متأخر جداً عن علمنا بالماديات، وهذا التأخر هو الذي جنى علينا (٢)) .

((لا يجنى نفع من الزيادة في عدد المخترعات الآلية، لا فائدة في أن نعلق أهمية كبرى على اكتشافات علوم الطبيعية والفلكيات وعلم الكيمياء، أي خير في الزيادة في الراحة والشرف، والجمال والمنظر وكماليات حضارتنا إذا منع ضعفنا من الانتفاع بذلك وتوجيهه إلى صالحنا. إنه لا خير في أحكام طريق للحياة يقصى فيه


(١) (Man the Unknown)
(٢) المصدر السابق.

<<  <   >  >>