الزحام لا يتمكن من مبايعتهم واحداً واحداً فكان يمد سبعة أو ثمانية من العمائم والناس يمسكونها ويتوبون ويعاهدون الله، وكان هذا دأبه كل يوم سبع عشرة أو ثماني عشرة مرة.
وخطب السيد في الناس في كلكته خمسة عشر أو عشرين يوماً، وكان يحضر هذه المواعظ نحو ألفين من وجهاء البلد والعلماء والشيوخ فضلاً عن عامة الناس والدهماء، وكذلك رفيقه الشيخ عبد الحي البرهانوي كان يذكر كل يوم جمعة ويوم الثلاثاء بعد صلاة
الظهر إلى العصر، والناس يتساقطون عليه كالفراش؛ ويسلم كل يوم عشرة أو خمسة عشر رجلاً من الكفار.
وكان من تأثير هذه المواعظ ودخول الناس في الدين وانقيادهم للشرع أن تعطلت تجارة الخمر في كلكته وهي كبرى مدن الهند ومركز الإنجليز , وكسدت سوقها وأقفزت الحانات واعتذار الخمارون عن دفع ضرائب الحكومة متعللين بكساد السوق وتعطيل تجارة الخمر.
ولما دعا السيد الإمام إلى الجهاد لبى الناس من كل طبقة دعوته في نشاط وحماسة ولحقوا به , وترك الفلاحون سكتهم وأقفل التجارة دكاكينهم وغادر الناس أوطانهم وتغربوا في دين الله ولم يتلفتوا إلى ما وراءهم ولم يلووا على شيء حتى قتلوا في سبيل الله في وادي بالا كوت عام ١٢٤٦هـ في الثغور , ورجع فلهم إلى قلل الجبال فاعتصموا بها وقضوا نحبهم في الجهاد.
هذا كله والحضارة الإسلامية في الهند في الاحتضار والحكومة الإسلامية في انهيار , ولكن لم يزل في الناس بقية من الأنفة الإسلامية والحمية الدينية والإنابة إلى الله والفرار إليه وسرعة الإجابة للداعي إلى الله , والاستهانة بالحياة الدنيا وبذل النفوس والنفائس في سبيل الله.
ورسخت قدم الإنجليز وأصبح نظامهم التعليمي - وهو من أكبر جنودهم - يؤتي أكله حين، وتسربت في الناس أفكارهم وميولهم، فصارت تقلب نظام الحياة ونظام الفكر في الهند رأساً على عقب من حيث لا يشعر أهلها فتقاصرت الهمم في الدين وخمدت جذوة القلوب وانطفأت شعلة الحياة الدينية، وانصرفت الرغبات والأهواء والتنافس الطبيعي - الذي هو الدافع الأكبر إلى التقدم والإبداع - من الدين والروحانية إلى المعاش والمادة، وقلت مرغبات الجهد في الدين والعلم وما