احتل الأجانب الشرق الإسلامي وقد أصاب المجتمع الشرقي الإسلامي انحطاط في الأخلاق والاجتماع، وسبقت إليه أدواء خلقية واجتماعية كانت أهم أسباب انهيار الدول الإسلامية وانهزام الأمم الشرقية.
ولكن مع ذلك لم يزل المجتمع الشرقي الإسلامي - على علاته - محتفظاً ببعض المبادئ الخلقية السامية والخصائص الاجتماعية الفاضلة التي لا يوجد لها مثيل في الأمم، وقد نضج واكتمل فن الأخلاق عند الشرقيين ووصل من الدقة والتفصيل واللطافة ورقة الحواشي ذروة لا بصل إليها ذهن العصر، ولا يتصورها الغربي إلا في الشعر والأدب.
يقرأ الإنسان أو يسمع روايات عن استحكام الروابط والأواصر بين أعضاء المجتمع العام وأفراد الأسرة، وتغلغلها في الأحشاء واستمرارها إلى الأحقاب والأجيال وخلوها من كل مصلحة ومتعة مادية، ما لا يتصوره أبناء هذا العصر. وكذلك من حنو الآباء على الأبناء
وبر الأبناء بالآباء، وتوقير الصغير للكبير وحدب الكبير على الصغير، وعن عفاف النساء ووفاء الحلائل وأمانة الخدم ووفائهم واستقامة الشبان وثباتهم على الأخلاق ومعاملة الأشراف بعضهم لبعض، والمحافظة على الرواتب والعادات والاطراد في مسألة اللباس والشعائر والعشرة، والإيثار في شأن الأصدقاء والنصح لهم، يسمع منها غرائب لا يكاد يصدق بها.
كان بر الأبناء للآباء وطاعتهم إلى حد التفاني في سبيلهم والاضمحلال في وجودهم منتزعاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم:((أنت ومالك لأبيك)) .
وكان حب الأبناء لآبائهم وبرهم وحرصهم على أداء حقوقهم غير مقتصر على حياة الأبوين، بل كان يستمر إلى ما بعد وفاتهما أصدقائهما وأهل أنسهما والإهداء إليهم والتحبب إلى أولادهم وعشيرتهم، وكان ذلك عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم:((إن من أبر البر بر الرجل بأهل ود أبيه بعد أن يولي)) .
وكان الأبوان مثلاً للنصح والإخلاص في حبهما للأولاد، وكانا يضحيان بجميع أهوائهما وميولهما وراحتهما وبلذة الأمومة والأبوة في سبيل تثقيفهم وتربيتهم وتعليمهم، ويتحملان في ذلك - حتى الرجل الأمي والمرأة الجاهلة - إجحاف المعلمين وعسفهم وإضرارهم في بعض الأحيان بجسم الصغار،