هنالك تتجدد ذكرى بلال، وعمار، وخباب، وحبيب، وخُبيب، ومصعب بن عمير، وعثمان بن مظعون، وأنس بن النضر، هنالك تفوح روائح الجنة، وتهب نفحات القرن الأول، ويولد للإسلام عالم جديد لا يشبه العالم القديم في شيء ...
الاستعداد الصناعي والحربي:
ولكن مهمة العالم الإسلامي لا تنتهي هنا، فإذا أراد أن يضطلع برسالة الإسلام ويملك قيادة العالم فعليه بالمقدرة الفائقة، والاستعداد التام في العلوم والصناعة والتجارة وفن الحرب، وأن يستغني عن الغرب في كل مرفق من مرافق الحياة، وفي كل حاجة من الحاجات، يقوت
ويكسو نفسه، ويصنع سلاحه، وينظم شؤون حياته، ويستخرج كنوز أرضه وينتفع بها، ويدير حكوماته برجاله وماله، ويمخر بحار المحيط به بسفنه وأساطيله، ويحارب العدو ببوارجه ودباباته وأسلحة بلاده، وتزيد صادراته على وارداته، ولا يحتاج إلى الاستدانة من الغرب، ولا يضطر إلى أن يلجأ إلى راية من راياته وينظم إلى معسكر من معسكراته.
أما ما دام العالم الإسلامي خاضعاً للغرب في العلم والسياسة والصناعة والتجارة، يمتص الغرب دمه، ويحفر أرضه فيستخرج منها ماء الحياة، وتغزو بضائعه أسواق العالم الإسلامي وبيوته وجيوبه كل يوم فتستخرج منها كل شيء، وما دام العالم الإسلامي يستدين من الغرب الأموال، ويستعير منه الرجال، ليديروا حكومته، ويشغلوا الوظائف الخطيرة ويدربوا جيوشه ويستورد منه البضائع ويجلب منه الصنائع، وينظر إليه كأستاذ ومرب، وسيد ورب، لا يبرم أمراً إلا بإذنه ولا يصدر إلا عن رأيه، فلا يستطيع أبداً أن يواجه الغرب فضلاً عن أن يناهضه ويغالبه.
هذه هي الناحية العلمية والصناعية التي أخل بها العالم الإسلامي في الماضي فعوقب بالعبودية الطويلة والحياة الذليلة، وابتلي العالم الإسلامي بالسيادة الأوربية الجائرة التي ساقت العالم إلى النار والدمار والتناحر والانتحار، فإن فرط العالم الإسلامي مرة ثانية في الاستعداد العلمي والصناعي والاستقلال في شئون حياته كتب الشقاء للعالم وطالت محنة الإنسانية وبلاؤها.