وقد تنازل العالم الإسلامي - بما فيه العالم العربي - منذ زمن طويل عن مكانته في القيادة العلمية والتوجيه، والاستقلال الفكري، وأصبح عيالاً على الغرب متطفلاً على مائدته حتى في اللغة العربية وآداب اللغة وعلومها، وحتى في علوم الدين كالتفسير والحديث والفقه. وأصبح المستشرقون هم المرشدين الموجّهِين في البحث والتحقيق، والدراسة والتأليف، وهم المنتهى والمرجع والحجة في الأحكام والآراء الإسلامية والنظريات العلمية والتاريخية، وهم الأسوة في النقض والإبرام. وعدد كبير منهم قسوس وإرساليون ويهود ومسيحيون متعصبون
، يضمرون للإسلام وصاحب رسالته - صلى الله عليه وسلم - العداء والبغضاء، وللحضارة الإسلامية السخرية والاستهزاء، ويخونون في النصوص والنقول، ويحرّفون الكلم عن مواضعه. ومنهم عدد لم يتقن اللغة العربية ولم يبرع فيها، وهم يخطئون في فهم النصوص وترجمتها أخطاء فاحشة، وقد تغلغلت أفكارهم ودعاياتهم في الأوساط العلمية الحديثة في العالم الإسلامي وتجلت بصورة واضحة في الدعوة إلى فضل الدين عن السياسة، وأن الدين قضية شخصية لا شأن له بالمجتمع، وفي الدعوة إلى تغيير مفهوم الدين وأحكام الشريعة الإسلامية على أساس الحضارة الغربية وفلسفتها.. إلى غير ذلك من الأفكار التي يدعو إليها تلاميذ المستشرقين والخاضعون لهم في الشرق الإسلامي.
وقد عجز كتاب الشرق المسلمون والمفكرون الشرقيون عن مواجهة الحضارة الغربية وجهاً لوجه ونقد أسسها وقيمها نقداً حُرّاً جريئاً فيه الابتكار، وفيه الاستقلال، وقد بلغ بعضهم من ضعف التفكير، والإغراق في التقليد منزلة رأى فيها أن الحضارة الغربية هي آخر ما وصل إليه العقل البشري وأنه لا منزلة وراءها، ومنهم من دعا إلى تطبيق الحضارة الغربية برُمتها، وعلى علاتها في الشرق، ودعا بعض الأقطار الإسلامية وإذابتها فيها واختيار الثقافة اليونانية التي هي أصل الثقافات الأوربية.
وندر في هذه الطبقة وجود ((عملاق)) يكفر بالحضارة الغربية وفلسفة حياتها وقيمها ويشرّح الحضارة الغربية وأُسسها التي قامت عليها في ثقة واعتداد وعلم وبصيرة، ونستثني من هذه الكلية بعض الأفراد الأفذاذ كالعلامة ((محمد إقبال)) من