وقد اعتاد العرب لأسباب كثيرة وبتأثير الحضارة الغربية حياة الترف والدعة والاعتداد الزائد بالكماليات وفضول الحياة والإسراف والتبذير، والاستهانة بمال الله في سبيل اللذة والشهوة والفخر والزينة.
وبجانب هذا الترف والنعيم وحياة البذخ والتبذير، جوع وعري وفقر فاضح، يرى الناظر مناظرة الشائنة في عواصم البلاد العربية فتدمع العين ويحزن القلب وينتكس الرأس حياء وخجلاً، فبينا هنالك رجل عنده فضول الثياب وزائدة الطعام والشراب لا يعرف كيف يستهلكه، إذ ببدوي لا يجد قوت يومه وكسوة جسمه، وبينما أمراء العرب وأغنياؤهم على سيارات تباري الريح وتثير النقع، إذا بفوج من النساء والأطفال عليه ثياب سوداء قد أصبحت خيوطاً من طول اللبس يعدو لأجل فلس أو قرص، فما دامت المدن العربية تجمع بين القصور الشامخة والسيارات الفاخرة، وبين الأكواخ الحقيرة والبيوت المتداعية الضيقة المظلمة، وما دامت التخمة والجوع يزخران في مدينة واحدة، فالباب مفتوح على مصراعيه للشيوعية والثورات والاضطراب والقلق لا تقفها دعاية ولا قوة، وإذا لم يسد النظام الإسلامي في بلاده بجماله واعتداله يحل محله نظام جائر بعسفه وقهره عقاباً من الله كرد فعل عنيف.
التخلص من أنواع الأثرة:
لقد أتى على العالم العربي عهد في التاريخ كانت الحياة فيه تدور حول فرد واحد - وهو شخص الخليفة أو الملك - أو حول حفنة من الرجال - هم الوزراء وأبناء الملك - وكانت البلاد تعتبر ملكاً شخصياً لذلك الفرد السعيد والأمة كلها فوجاً من المماليك والعبيد
، ويتحكم في أموالهم وأملاكهم ونفوسهم وأغراضهم، ولم تكن الأمة التي كانت يحكم عليها إلا ظلاً لشخصه ولم تكن حياته إلا امتداداً لحياته.
لقد كانت الحياة تدور حول هذا الفرد بتاريخها وعلومها وآدابها وشعرها وانتاجها، فإذا استعرض أحد تاريخ هذا العهد أو أدب تلك الفترة من الزمان وجد هذه الشخصية تسيطر على الأمة أو المجتمع، كما تسيطر شجرة باسقة على الحشائش والشجيرات التي تنبت في ظلها وتمنعها من الشمس والهواء، كذلك تضمحل هذه الأمة في شخص هذا الفرد وتذوب فيه وتصبح أمة هزيلة لا شخصية