نعم الحديث فردٌ مطلق لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا من طريق عمر، ولا عن عمر إلا عن علقمة، وعلقمة يقول: سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يقول، ولا يمنع اكتفاء الأئمة المصنفين بطريقٍ واحد، وترك غيره من الطرق إذا قامت به الحجة، وإلا فأين ذهبت الأحاديث التي يحفظها الأئمة، منهم من يحفظ سبعمائة ألف حديث؟ هذه طرق، منهم من يحفظ ستمائة ألف حديث، هذه أيضاً طرق، الحديث الواحد ربما يروى من مائة طريق فيسمى أحاديث، هذه الطرق أين ذهبت؟ لو بحثنا عنها في دواوين الإسلام الموجودة ما وجدنا منها إلا الشيء القليل، الأمة بمجموعها معصومة من أن تخل بشيء من دينها، فإذا ثبت الحديث عند بعضهم اكتفوا به، فلا يمنع أن يكون قد سمعه عن عمر جمعٌ غفير، واكتفوا بنقل علقمة؛ لأنه مما تثبت به الحجة، ويقوم عليه الأمر.
عرف بهذا أيضاً غلط من زعم أن التعدد شرط لصحة الحديث أو شرط للبخاري في صحيحه كما يومئ إليه كلام الحاكم، وهو مذكور عن البيهقي، ويقرره ابن العربي والكرماني الشارح وغيرهم، ولهذا يقول الصنعاني في نظم النخبة لما ذكر العزيز:
وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ ... وقيل: شرطٌ وهو قول الحاكمِ
وفي بعض النسخ من نظم النخبة قال:
وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ ... وقد رمي من قال بالتوهمِ
هذا الحديث فردٌ مطلق، لا يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بسندٍ صحيح إلا عن عمر، ولا عن عمر إلا عن طريق علقمة بن وقاص إلى آخر الطبقات الأربع، فكيف يقول: من يقول أن تعدد الرواة شرط لصحة الخبر، وأول حديث في صحيح البخاري ينقض هذا الشرط ويبطله، وآخر حديثٍ كذلك حديث أبي هريرة:((كلمتان خفيفتان على اللسان)) ... إلى آخره، مثل حديث (الأعمال بالنيات) سواءٌ بسواء، فرد في أربع طبقات، وفي الخامسة انتشر، مثل حديث (الأعمال بالنيات) وكأنهما سيقا للرد على هذه الدعوة، وغير ذلك من غرائب الصحيح.