التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - شرح أحاديث كتاب بدء الوحي (٤)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
"قال أبو سفيان: فلما قال ما قال -أي الذي قاله في السؤال والجواب- وفرغ من قراءة الكتاب -النبوي- كثر عنده الصخب -أي اللغط، وهو اختلاط الأصوات في المخاصمة- وارتفعت الأصوات وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا -وفي رواية: حين خلوت به-: والله لقد أمِر -أي كبر وعظم- أمر ابن أبي كبشة"، أي شأنه، وكبشة ليس هو مؤنث الكبش، من غير لفظه، والمراد بذلك كنية النبي -عليه الصلاة والسلام-، لأنها كنية أبيه من الرضاعة، الحارث بن عبد العزى فيما قاله ابن ماكولا، أو هو والد حليمة مرضعته، أو ذلك نسبةً إلى جد جده؛ لأن أمه آمنة بنت وهب وأم جد وهب قيلة بنت أبي كبشة، أو لجد جده عبد المطلب لأمه، أو هو رجل من خزاعة اسمه وجز بن غالب، خالف قريشاً في عبادة الأوثان، فعبد الشعر، فنسبوه إليه لاشتراكه في مطلق المخالفة، يعني يكون لقب لهذا للخزاعي، لما خالف قريش فعبد غير ما كانت تعبده قريش نسب إليه النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه خالف قومه فدعا إلى عبادة الله وحده، ومخالفاً بذلك قومه.
"إنه يخافه" بكسر الهمزة على الاستئناف، وجوز العيني فتحها، والمعنى عظم أمره -عليه الصلاة والسلام- لأجل أنه يخافه ملك بني الأصفر، وهم الروم؛ لأن جدهم روم بن عيص ابن إسحاق تزوج بنت ملك الحبشة فجاء ولده بين البياض والسواد فقيل له الأصفر، أو لأن جدته سارة حلته بالذهب، وقيل غير ذلك.
قال أبو سفيان:"فما زلت موقناً أنه سيظهر، حتى أدخل الله عليّ الإسلام، فأبرزت ذلك اليقين"، أبو سفيان كأنه عنده شيء من القناعة النفسية لكن تمنعه الأنفة عن الدخول في الإسلام كما كانت تمنع أبا طالب، هذا موجود من كبراء قريش هي تمنعهم الأنفة من أن يعترفوا ويذعنوا، لكن أدخل الله عليه الإسلام فأبرز ذلك وحدث به الناس.