أشرنا فيما تقدم أن الإمام البخاري خرج الحديث في سبعة مواضع، وذكرنا اثنين منها، وهنا نبدأ في الموضع الثالث: في كتاب العتق، ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- للحديث بقوله: باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه ولا عتاقة إلا لوجه الله تعالى، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لكل امرئ ما نوى)) ولا نية للناسي والمخطئ، وذكر الحديث -رحمه الله تعالى- عن محمد بن كثير عن سفيان به بدون "إنما"، وإفراد النية، وذكر وجهي التقسيم كليهما، وأشرنا مراراً إلى المراد بوجهي التقسيم فلا نحتاج إلى إعادته، وقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، أي نحو ذلك من التعليقات، لا يقع شيءٌ منها إلا بالقصد، وكأنه -رحمه الله تعالى- أشار إلى رد ما روي عن مالك أنه يقع الطلاق والعتاق عامداً كان أو مخطئاً، ذاكراً كان أو ناسياً، وقد أنكره كثيرٌ من أهل مذهبه، قال الداودي -شارح البخاري-: وقوع الخطأ في الطلاق والعتاق أن يلفظ بشيء غيرهما، فيسبق لسانه إليهما، وأما النسيان ففيما إذا حلف ونسي، ووقع في رواية القابسي: الخاطئ بدل المخطئ، هنا يقول: باب الخطأ والنسيان، إلى أن قال: ولا نية للناسي والمخطئ، وقع في رواية القابسي -وهو من رواة الصحيح كما هو معروف-: الخاطئ بدل المخطئ، وهل هناك فرق بين الخاطئ والمخطئ؟ الفرق بينهما أن المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره، والخاطئ من تعمد ما لا ينبغي، فالخاطئ اسم فاعل من الثلاثي المراد به من تعمد الخطأ، وأما المخطئ اسم فاعل أيضاً من الرباعي أخطأ فمن جرى الخطأ على لسانه أو فعله من غير قصد ولا عمد.
هنا يقول -رحمه الله تعالى-: باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، أنه إذا أخطأ ونسي فأعتق أو طلق، وأشرنا فيما تقدم أنه لو قال لزوجته: أنت طالق، ويريد بذلك أنت طاهر، بل سبق لسانه، ولم يقصد الطلاق أنه يديَّن بذلك، ولا يقع الطلاق إلا إذا حصل مرافعة، فإنه في المرافعة تعلق به حق الغير حينئذٍ، فيؤاخذ بنطقه، أما بينه وبين ربه فإنه لا يؤاخذ بل يديَّن بذلك.