قوله:((وهو أشده علي)) يعني أشد أنواع الوحي، ويفهم منه أن الوحي كله شديد، ولكن هذا النوع أشد، وهو واضح؛ لأن الفهم من كلامٍ مثل الصلصلة أشد من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود، لا شك أن الفهم من الكلام الذي يشبه صلصلة الجرس أشد من فهم الكلام الذي يتمثل فيه الملك رجلاً فيخاطبه بالكلام المعهود بين الرجال، وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى له -عليه الصلاة والسلام-، ورفع الدرجات، والظاهر أن ذلك لا يختص بالقرآن، كما في حديث لابس الجبة المتضمخ بالطيب في الحج، فإن فيه أنه رآه -صلى الله عليه وسلم- حال نزول الوحي عليه، وإنه ليغط، يعني من شدة ما يلقى -عليه الصلاة والسلام-، وهذا من السنة فالسنة وحي؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى.
قوله:((فيفصم عني)) يفصم مضارع فصم، يفصم من باب ضرب، والمراد قطع الشدة أن يقلع وينجلي ما يغشاني من الكرب والشدة، ويروى بضم الياء يُفصم من الرباعي، يقال: أفصم المطر إذا أقلع، وأصل الفصم القطع، ومنه قوله تعالى:{لاَ انفِصَامَ لَهَا} [(٢٥٦) سورة البقرة] وقيل: الفصم بالفاء القطع بلا إبانة، وبالقاف القطع بإبانة، فذكر الفصم إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود؛ لأن الفصم قطعٌ بلا إبانة، بخلاف القصم الذي هو القطع بإبانة، فذكر الفصم إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود، والجامع بينهما بقاء العُلقة.
قوله:((وقد وعيتُ)) أي فهمت وحفظتُ ((عنه)) أي عن الملك ((ما قال)) أي القول الذي قاله.