ومن عادته هذا من طريقة البخاري، وعادته، ومنهجه، ومن عادته أن يترك الاستدلال بالظاهر الجلي، أن يترك الاستدلال بالظاهر الجلي، ويعدل إلى الرمز الخفي -يعني الصريح-، "فهجرته إلى الله ورسوله" فكيف يعدل عن هذا الصريح إلى الاكتفاء بقوله: "فهجرته إلى ما هاجر إليه"؟ يترك اللفظ النص الصريح، ويعدل إلى المحتمل هذه من عاداته -رحمه الله-، وذكرنا فيما سبق أنه ترجم باب النظر إلى السماء، باب النظر إلى السماء، وقول الله -جل وعلا-: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [(١٧) سورة الغاشية]، نعم الصريح في الباب {وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ} [(١٨) سورة الغاشية]، لكن عدل عنها إلى الإبل، فكأن الإمام البخاري إما أن يحتمل أنه يقول كأنه يقول أكمل السورة، أو أكمل الآية التي بعدها، مع أن عدوله عن الآية الصريحة، إلى الآية التي قبلها، لا شك أنه من هذه الحيثية، من هذا الباب.
العدول عن الجلي إلى الخفي، منهم من يقول: إن السماء يطلق ويراد به الإبل، ومنهم من يقول: أن الإبل تطلق ويراد بها السحاب، والذي ينظر إلى السحاب ينظر إلى السماء، هذا مذكور في بعض كتب اللغة، وأبداه بعضهم احتمالاً، وأقول إذا كانت الإبل قائمة وأراد أن ينظر إليها، لا بد أن ينظر إلى السماء، لا بد أن يرفع رأسه فينظر إلى السماء، وهذا استدلال بأمر في غاية الخفاء، وعدول عن أمر في غاية الظهور، وهذا من أوضح ما يستدل به على أن الإمام البخاري يعدل عن الظاهر الجلي إلى الأمر الخفي، لماذا؟ ليعود الطالب على مثل هذه الاستنباطات الدقيقة، ويشحذ همته إلى النظر في طرق الحديث الذي يترجم عليه، فقد يأتي بلفظ لا يطابق الترجمة، لكن الترجمة مطابقتها في رواية أخرى سواء كانت على شرطه، أو على شرط غيره.
وقال الداوودي الشارح: الإسقاط فيه من البخاري، الإسقاط من البخاري لماذا؟ لأنها ثبتت عن طريق الحميدي، فلم يبق إلا البخاري -رحمه الله تعالى-، الإسقاط فيه من البخاري، فوجوده في رواية شيخه، وشيخ شيخه يدل على ذلك انتهى.