الأصل أن من هم بالسيئة ثم لم يعملها أنها لم تكتب عليه، لكن لماذا لم يعملها؟ إن كان من خشية الله كتبت له حسنة، وإن كان لعجزه عنها مع بذله الأسباب فهذا هو العزم الذي يؤاخذ عليه، كما جاء في حديث القاتل والمقتول في النار؛ لأنه كان حريص على قتل صاحبه ثم استطاع مثله.
يقول الخطابي في شرحه: هكذا وقع في رواية إبراهيم بن معقِل النسفي عنه مخروماً قد ذهب شطره، ورجعت إلى نسخ أصحابنا، ورجعت إلى نسخ أصحابنا فوجدتها كلها ناقصة، لم يذكر فيها قوله:"فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله وإلى رسوله" وكذلك وجدته في رواية الفربري أيضا، فلست أدري كيف وقع هذا الإغفال، ومن جهة من عرض من رواته، وقد ذكره محمد بن إسماعيل في هذا الكتاب في غير موضع من غير طريق الحميدي، فجاء به مستوفاً ما خرم منه شيئاً، ولست أشك في أن ذلك لم يقع من جهة الحميدي، ولست أشك في أن ذلك لم يقع من جهة الحميدي، فقد رواه لنا الإثبات من طريق الحميدي تاماً غير ناقص، فذكره بإسناده ذكره الخطابي بإسناده تاماً من طريق الحميدي.
إذا كان من طريق الحميدي تاماً فمن يتجه إليه القول بأنه حذف هذه الجملة، أو الوجه الأول من وجهي التقسيم؟ البخاري، يقول ابن المنير في المتواري: ولم يذكر البخاري في هذا الحديث "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" وهو أمس بالمقصود، وهو أمس بالمقصود الذي نبهنا عليه، وهو أن جعل الحديث بمنزلة الخطبة للكتاب التي يبين فيها نيته، ومقصده، ونهجه في هذا الكتاب، وأنه مبني على الإخلاص لله -جل وعلا-.
قال: ولم يذكر البخاري في هذا الحديث "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله وإلى رسوله" وهو أمس بالمقصود الذي نبهنا عليه، وذكر هذه الزيادة في الحديث في كتاب الإيمان، في كتاب الإيمان، وكأنه استغنى عنها بقوله:"فهجرته إلى ما هاجر إليه" فهجرته إلى ما هاجر إليه تشمل من كان هاجر إلى الله ورسوله فهجرته إلى ما هاجر إليه، وهو الله ورسوله إلى أخره، وكأنه استغنى عنها بقوله:"فهجرته إلى ما هاجر إليه" فأفهم ذلك أن كل ما هاجر إلى شيء فهجرته إليه، فدخل في عمومه الهجرة إلى الله وإلى رسوله.