لكن من أراد أن يختبر نيته في هذا الكتاب، كما يذكر عن ابن آجروم لما ألف المتن الصغير في النحو يقولون: ألقاه في البحر، ألقاه في البحر قال: إن كان خالصاً لله نجا، وإن لم يكن خالصاً غرق، هذا يذكر في ترجمته، وأنه نجا فدل على إخلاصه، هل اختبار النفس بمثل هذا صائغ، أو غير صائغ؟ غير صائغ، غير صائغ يعني نظيره الإقسام على الله -جل وعلا-، هل للإنسان أن يختبر نيته بالإقسام على الله -جل وعلا- بحديث ((من الناس من لو أقسم على الله لأبره))، فيحلف أن يتحقق هذا الأمر بين جموع من الناس؟ هذا لا يسوغ، نعم لو وقع في مأزق، في مكان خفي لم يطلع عليه أحد، يعني وعظمة رغبته فيما عند الله -جل وعلا-، الإخبار عن مثل هذا يدل على انه لو وقع لما كان في إشكال، لكنه في الأصل تزكية للنفس، تزكية للنفس نظير إلقاء الكتاب في البحر، أو في النار، إلقاء المال ثقة بالله -جل وعلا- ليصل إلى صاحبه من عظم التوكل، مثلاً في قصة الإسرائيلي الذي اقترض من أخر ألف دينار، ليست سهلة من الذهب، وحدد له موعد يوفيه إياه، وأشهد الله -جل وعلا- وجعل الله وكيلاً عليه؛ لأنه طلب الكفيل، فأشار إلى أن وكيله هو الله -جل وعلا- وهو كفيله، فلما جاء الوقت المحدد خرج إلى الساحل يطلب أحداً يوصل هذا المبلغ إلى صاحبه فلم يجد، فعمد إلى خشبة فنقرها، ووضع المال فيها، ورماها في البحر.
خرج صاحب المال على الموعد لعل صاحبه حضر؛ ليوفيه دينه، فوجد هذه الخشبة فوق البحر -هذا قص في الصحيح- فأخذها؛ ليوقد عليها النار، فلما نشرها، وجد المال فيها، ووجد معها ورقة تدل على ذلك، الرجل الذي بعث هذا المال لم يكتفي بذلك، وإنما أرسل إليه مرة ثانية؛ لأنه يغلب على ظنه أنها لا تصل، لكن من باب أنه وفى بوعده، وعقده، وعهده أرسلها في البحر، الثقة بالله -جل وعلا- إلى هذا الحد، بمعنى أن الإنسان يثق بالله، ويعظم يقينه إلى هذا الحد، فيزج بالأموال بهذه الطريقة.