يقول:"هو أن هذا الكلام لما دل عقلاً على عدم إرادة حقيقته إذ قد يحصل العمل من غير نية، بل المراد بالأعمال حكمها لا صورتها" يراد بالأعمال حكمها لا صورتها، وذكرنا في حديث المسيء:((صل فإنك لم تصل)) النفي هل ينفي وجود الحركات من ركوع وسجود؟ يعني هل المسيء جاء وصلى صلاة غير صحيحة أو جاء وجلس؟ قال له:((صل فإنك لم تصل))؟ صلى، إذن نفي حقيقة الفعل ليس بمقصود أصلاً.
بل المراد بالأعمال حكمها باعتبار إطلاق الشيء على أثره وموجبه، والحكم نوعان: نوع يتعلق بالآخرة وهو الثواب في الأعمال المفتقرة إلى النية، نوع يتعلق بالآخرة وهو الثواب في الأعمال المفتقرة إلى النية، والإثم في الأعمال المحرمة، ونوع يتعلق بالدنيا، وهو الجواز والفساد والكراهة والإساءة ونحو ذلك، والنوعان مختلفان بدليل أن مبنى الأول على صدق العزيمة وخلوص النية، فإن وجد وجد الثواب وإلا فلا، ومبنى الثاني على وجود الأركان والشرائط المعتبرة في الشرع حتى لو وجدت صح وإلا فلا، سواءً اشتمل على صدق العزيمة أو لا، يعني هذا قريب من كلام ابن رجب السابق الذي قسم النية والقصد والصحة والفساد إلى ما يتعلق به الحكم الظاهر، وما يتعلق به الحكم الباطن، وذكر أن الثاني ما يتعلق بالصحة والفساد والإجزاء وسقوط الطلب هو ما يبحثه الفقهاء، والنوع الثاني ما يتعلق بالإخلاص وترتب الثواب من هذه الحيثية هو مبحث علماء السلوك، الذين يسمونهم علماء الباطن، الذين يبحثون في أعمال القلوب، ومبنى الثاني على وجود الأركان والشرائط المعتبرة في الشرع حتى لو وجدت صح وإلا فلا، سواءً اشتمل على صدق العزيمة أو لا، مثل ما ذكرنا في قصة من حج ثلاث مرات ماشياً من بغداد وبعد رجوعه من الحجة الثالثة دخل البيت فإذا بأمه نائمة فنام بجوارها، لم يحب أن يوقظها، والأمور بمقاصدها إن كان عدم إيقاظه إياها شفقة عليها هذا له حكم، وإن كان عدم إيقاظها شفقة على نفسه لئلا تشغله وهو محتاج إلى النوم هذا أيضاً له وزن، والأمور بمقاصدها.