وذلك عكس باب الحيل الموصلة إليها، فالحيل وسائل وأبواب إلى المحرمات، وسد الذرائع عكس ذلك فبين البابين أعظم تناقض، والشارع حرم الذرائع وإن لم يقصد بها المحرم لإفضائها إليه، لإفضائها إليه؛ لأنها ذريعة إلى محرم، فكيف إذا قصد بها المحرم نفسه؟ يعني حرم النظر إلى المرأة الأجنبية أو إلى الأمرد، وتجد بعض الناس يقول: أنا لا أريد زنا، أنا لا أستطيع الزنا، افترض أن شخص عنين ينظر إلى النساء نظره مباح وإلا محرم؟ هو لا يقصد المحرم، النظر محرم بحد ذاته، وإن كان في الأصل وسيلة إلى محرم، فكيف إذا قصد المحرم؟ فكيف إذا توسع في هذه الوسيلة؟ لأن بعض الناس ينظر إلى الأمرد يقول: أنا لا أريد الأمرد، لعل له مولية أو أخت أو شيء تناسبني، يعني يتوسعون توسعاً، وإذا فتحنا الذرائع مثل ما يدعو إليه بعض الناس اليوم يعني ما عندنا محرمات إلا الغايات، ثم يقع الناس في الغايات وهم لا يشعرون، وما جاء الشرع بتحريم الوسائل إلى المحرمات إلا من أجل السياج والاحتياط لهذه المحرمات.
إلى أن قال: فصل وقد استدل البخاري في صحيحه على بطلان الحيل بقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)) لأن أصحاب المواشي الخلطة تصير المالين كالمال الواحد، فإذا وجدت خلطة قد يتضرر الخليطان بوجوب ما لم يجب عليهما لو افترقا وقد يتضررا بالتفريق، قد يتضررا بالاجتماع وقد يتضررا بالتفريق، ولذلك قال:((لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)) يعني التفريق حيلة، كما أن الجمع حيلة إذا كان للفرار من الصدقة.
أطال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في تقرير سد الذرائع من تسعة وتسعين وجهاً عدد الأسماء الحسنى كما قال في إعلام الموقعين، ثم أتبع ذلك بالكلام على الحيل المناقضة لسد الذرائع في كلام طويل جداً، يعني يزيد على ثلاثمائة صفحة، وكل طالب علم بحاجة في هذا الظرف الذي نعيشه إلى مراجعته في الجزء الثالث من إعلام الموقعين صفحة (١١٩) ... إلى آخر المجلد وبداية الرابع.