للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثالثاً: من اتصل على الجوال على شخص أخر وهو يعلم أنه باتصاله هذا سوف يباشر فعل المحرم وهو تشغيل هذه النغمة المحرمة في جوال المتصل عليه وهذا محل الإشكال، وعليه فإن الأمور تقدر بقدرها، فما كان من باب الفضول وعدم الحاجة فالأولى عدم الاتصال به استبراء للدين وتكرك ما يريب العبد في دينه، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) ولأنه بفعله هذا يكون مباشراً للمحرم والعلماء يقولون: إن المباشرة تقضي على أثر التسبب والمباشر هنا المتصل، والمتسبب صاحب الجوال المتصل عليه، وإن دعت الحاجة واجبر العبد على الاتصال فلا حرج عليه -إن شاء الله تعالى- لقوله: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(٢٨٦) سورة البقرة] ووجه الاستدلال أن الله تعالى بين هنا أنه يحصل التكليف بما كان داخلاً في قدرة المكلف، فيكون من كسبه واكتسابه أي يكون مسئول عنه، ومفهوم ذلك أن ما كان خارج من قدرة المكلف فإنه لا يكلف به، ولا يكون من اكتسابه، أي فلا يكون مسئولاً عنه ولا ينسبه إليه، ومنه ما كان مكره عليه، وهذا المتصل وإن كان في قدرة واستطاعته عدم الاتصال ابتداءً إلا أنه إذا احتاج الاتصال عليه فلا قدرة له على منع ظهور هذه النغمة المحرمة فيكون السؤال والتكليف على المتسبب لا على المثير فلا ينسب إليه؛ ولأنه أكره عليه، ويستدل لذلك بقاعدة كلية تقول: "يضاف الفعل إلى الفاعل لا الآمر ما لم يكن مجبراً" ومعناها: أن الفعل الذي هو عبارة عن تعدٍ عن الغير إذا كان بأمر من أحد فإن حكم هذا الفعل ينسب إلى فاعله دون الأمر به إلا إذا كان الآمر مكرهاً للفاعل على الفعل أو في حكم المكره له بأن غرر به وحينئذٍ ينسب حكم الفعل إلى الآمر؛ لأن المأمور في هذا الحالة يكون في حكم الآلة في يد الآمر، ويضاف إلى هذا ما لو كان الفعل المأمور به لمصلحة الآمر، فإن الآمر هنا يكون في حكم الوكالة يقوم فيها المأمور مقام الآمر في حدود الأمر، وفي مسألتنا هذه الفعل هو تشغيل الموسيقى، والفاعل هو المتصل والآمر هو صاحب الجوال، فيضاف تشغيل الموسيقى إلى المتصل لا المتصل عليه كما في قاعدة المباشرة تقضي على أثر التسبب إلا إذا كان مجبراً كما أفاد

<<  <  ج: ص:  >  >>