بجميع ضروريات الدين، أي دلالة بلفظ أهل القبلة؟ قلنا: الدليل عليه أن الكفر يتقابل الإيمان تقابل العدم والملكة، إذ الكفر عدم الإيمان، والمتقابلان بالعدم والملكة لا يكون بينهما واسطة بالنظر إلى خصوص الموضوع، وإن أمكن بينهما واسطة بالنظر إلى الواقع، كالعمى والبصر، فإن الذي من شأنه البصر لا يخلو عن أحدهما، ولا شبهة أن الإيمان مفهومه الشرعي المعتبر به في كتب الكلام، والعقائد، والتفسير، والحديث هو: تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما علم مجيئه به ضرورة عما من شأنه ذلك، ليخرج الصبي والمجنون والحيوانات. والكفر عدم الإيمان عما من شأنه ذلك التصديق، فمفهوم الكفر هو عدم تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما علم مجيئه به ضرورة، وهو بعينه ما ذكرنا من أن من أنكر واحداً من ضروريات الدين اتصف بالكفر، نعم عدم التصديق له مراتب أربع، فيحصل للكفر أيضاً أقسام أربعة:
الأول: كفر الجهل، وهو تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - صريحاً فيما علم مجيئه به مع العلم - أي في زعمه الباطل - بكونه عليه السلام كاذباً في دعواه، وهذا هو كفر أبي جهل وأضرابه.
والثاني: كفر الجحود والعناد، وهو تكذيبه مع العلم بكونه صادقاً في دعواه، وهو كفر أهل الكتاب، لقوله تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} وقوله: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} وكفر إبليس من هذا القبيل.
والثالث: كفر الشك، كما كان لأكثر المنافقين.
والرابع: كفر التأويل، وهو أن يحمل كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - على غير محمله، أو على التقية، ومراعات المصالح، ونحو ذلك.