يشكل هذا بقوله تعالى في بني إسرائيل (وأني فضلتكم على العالمين)" البقرة: ٤٧ " فإنه لو كان الأمر كما ذكرتم لزم تفضيل أنبياء بني إسرائيل علىمحمد صلى الله عليه وسلم.
الجواب: تحمل التخصيص في ىية لا يوجب تحمله في سائر الآيات، وأيضا شرط العالم أن يكون موجودا، ومحمد صلى الله عليه وسلم ما كان موجودا حال وجود أنبياء بني إسرائيل، أما الملائكة فهم موجودون حال وجود محمد عليه السلام فظهر الفرق.
هـ - الحجة الخامسة: الملائكة لهم عقول بلا شهوة، والبهائم لهم شهوة بلا عقل، والآدمي له عقل وشهوة، ثم إن الآدمي إن رجح شهوته على عقله كان أخس من البهيمة قال تعالى:(أُولَئِكَ كالأَنعامِ بَل هُم أَضَل) الأعراف: ١٧٩ فعلى هذا القياس لو رجح عقله على شهوته، وجب ان يكون أفضل من الملك.
هذا ملخص دلائل من فضل الأنبياء على الملائكة، أما الذين قالوا بتفضيل الملائكة على الأنبياء فقد تمسكوا بوجوه: الحجة الأولى: قوله تعالى: (لَن يَستَنكِفَ المَسيحُ أَن يَكونَ عَبداً لله وَلاَ المَلائِكَةُ الَمقَرَبونَ) النساء: ١٧٢ وهذا يقتضي كون الملائكة أفضل من المسيح، ألا ترى انه يقال: إن فلانا لا يستنكف الوزير من خدمته ولا السلان، ولا يقال: إنه لا يستنكف السلطان من خدمته ولا الوزير، فلما ذكر المسيح أولا والملائكة ثانيا، علمنا أن الملائكة أفضل من المسيح، والإعتراض من وجوه.
الأول: أن محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من المسيح ولا يلزم من كون الملائكة أفضل من المسيح كونهم أفضل من محمد، والثاني: أن قوله (وَلاَ المَلائِكَةُ المُقَرَبونَ) صيغة الجمع فيتناول الكل، فهذا يقتضي كون مجموع الملائكة أفضل من المسيح، فلم قلتم إنه يقتضي كون كل واحد من الملائكة أفضل من المسيح؟ والثالث: أن الواو في قوله (وَلاَ المَلائِكَةُ المُقَرَبونَ) حرف العطف وهو يفيد الجمع المطلق، ولا يفيد الترتيب،