فأما المثال الذي ذكرتموه فليس بحجة لأن الحكم الكلي لا يثبت بالمثال الجزئي، ثم إنه معارض بسائر الأمثلة كقوله: ما أعانني على هذا الأمر لا عمرو ولا زيد، فهذا لا يفيد كون المتأخر في الذكر أفضل من المتقدم، ومنه قوله تعالى (وَلا الهَدى وَلاَ القَلائِدَ وَلاَ آَمينَ البَيتَ) المائدة:٢ ولما اختلفت الأمثلة امتنع التعويل عليها، ثم التحقيق في المسألة أنه إذا قيل هذا العالم لا يستنكف من خدمته الوزير ولا السلطان، فنحن نعلم بعقولنا أن السلطان أعظم درجة من الوزير، فعرفنا أن الغرض من ذكر الثاني في المسألة أنه إذا قيل هذا العالم لا يستنكف من خدمته الوزير ولا السلطان، فنحن نعلم بعقولنا ان السلطان أعظم درجة من الوزير، فعرفنا أن الغرض من ذكر الثاني هو المبالغة، فهذه المبالغة إنما عرفناها بهذا الطريق لا لمجرد الترتيب في الذكر فههنا في هذه الآية لا يمكننا أن نعرف أن المراد من قوله (وَلاَ الملائِكَةُ المُقَرَبونَ) بيان المبالغة إلا إذا عرفنا قبل ذلك أن الملائكة المقربين أفضل من المسيح، وحينئذ تتوقف صحة الدليل على صحة المطلوب، وذلك دور الرابع: هب أن الآية دالة على أن منصب الملك أعلى وأزيد من منصب المسيح لكنها لا تدل على أن تلك الزيادة في جميع المنصاب أو في بعضها، فإنه إذا قيل: هذا العالم لا يستنكف من خدمته الوزير ولا السلطان فهو لا يفيد إلا أن السلطان أكمل من الوزير في بعض الأشياء، وهو القدرة والسلطنة، ولا يفيد كون السلطان أزيد من الوزير في العلم والزهد، إذ ثبت هذا فنحن نقول بموجبه، وذلك لأن الملك أفضل من البشر في القدرة والقوة والبطش، فإن جبريل عليه السلام قلع مدائن قوم لوط، والبشر لا يقدرون على شيء من ذلك، فلم قلتم إن الملك أفضل من البشر في كثرة الثواب الحاصل بسبب مزيد الخشوع والعبودية؟، وتمام التحقيق أن الفصل المختلف فيه في هذه المسألة هو كثرة الثواب، ثم إن كثرة الثواب لا تحصل إلا بنهاية التواضعوالخضوع وكون العبد موصوفا بنهاية التواضع لله، لا يلائم صيرورته مستنكفا من عبودية الله تعالى، بل يناقضها وينافيها، فامتنع أن يكون المراد من الآية هذا المعنى، أما اتصاف الشخص بالقدرة الشديدة والقوة