للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكاملة فإنه مناسب للاتمرد وترك العبودية، فالنصارى لما شاهدوا من المسيح إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص أخرجوه بسبب هذا القدر عن عبودية الله تعالى، فقال تعالى: إن عيسى لا يستنكف بسبب هذا القدر عن عبوديتي ولا الملائكة المقربون الذين هم فوقه في القدرة والبطش والإستيلاء على عالم السموات والأرضين، وعلى هذا الوجه تنتظم دلالة الآية على ان الملك أفضل من البشر في الشدة والقوة والبطش، لكنها لا تدل ألبتة على أن الملك أفضل من البشر في كثرة الثواب، أو يقال إنهم إنما ادعوا إلهية المسيح، لأنه حصل لا من أب فقيل لهم: الملك حصل لا من أب ولا أم فكانوا أعجب من عيسى في هذا الباب مع أنهم لا يستنكفون عن عبودية الله تعالى.

الحجة الثاني:

لمن قال بتفضيل الملك على البشر، التمسك بقوله تعالى (وَمَن عِندَهُ لاَ يَستَكبِرُونَ عَن عِبادَتِهِ) الأنبياء: ١٩ والإستدلال به من وجهين الأول: أنه تعالى احتج بعدم استكبار الملائكة عن عبادته على أن البشر يجب أن لا يستكبر عنها، ولو كان البشر أفضل من الملائكة، لما تم هذا الإستدلال، فغن السلطان إذا أراد أن يقرر على رعيته وجوب طاعتهم له، فإنه يقول: الملوك لا يستكبرون عن طاعتي، فمن هؤلاء المساكين؟ وبالجملة فظاهر ان هذا الإستدلال لا يتم إلا بالأقوى على الأضعف، الثاني: انه تعالى قال: (وَمَن عِندَهُ) وهذه العندية ليست عندية الجهة، بل عندية الفضيلة والقربة، والإعتراض على هذا الوجه الأول: لعل المراد أن الملائكة مع شدة قوتهم لا يتمردون عن طاعة الله تعالى، فما بال البشر يتمردون عن طاعة الله مع غاية ضعفهم؟ وهذا يوجب كون الملك أقوى من البشر، لكنه لا يوجب كونه أفضل من البشر، بمعنى كثرة الثواب، وعلى الوجه الثاني: أنه معارض بقوله تعالى في صفة البشر (فَي مَقعَدِ صِدقٍ عِندَ مَليكٍ مُقتَدَر) القمر: ٥٥.

<<  <   >  >>