الأبدان، فطعامهم التسبيح، وشرابهم التقديس والتمجيد، وأنسهم بذكر الله، وفرحهم بخدمة الله، متجردون عن العلائق البدنية مبرؤون عن الحجب الشهوانية والغضبية، فأين أحد البابين من الآخر؟ وخامسها: الروحانيات لهم قدرة على تغيير الأجسام، وتقليب الأجرام والقدرة التي لهم من القوى المزاجية حتى يعرض لها كلال ولغوب، ثم إنك ترى السفلية الضعيفة م النبات في بدء نموها تفتق الأحجار وتشق الصخور وما ذلك إلا لقوة فاضت عليها من جواهر القوى السماوية، فما ظنك بتلك القوى السماوية؟ فالروحانيات هي التي تنصرف في الأجسام السفلية تقليبا وتصريفا، لا يستثقلون حمل الثقال، ولا يستصعبون نقل الجبال، فالرياح تهب بتحريكها، والسحاب يعرض ويزول بتصريفاتها، والزلازل تطرأ بقوتها والآثار العلوية تحدث بمعونتها، والكتاب الكريم ناطق بذلك، كما قال:(فَالمُقَسِماتِ أَمراً) الذاريات:٤ وقال (فالمدبرات أمرا) النازعات: ٥ ومعلوم أن شيا من هذه الأحوال لا يصدر عن الأرواح فأين أحدهما عن الآخر.
الحجة الثانية والعشرون: الروحانيات مختصة بالهياكل الشريفة وهي السيارات السبع وسائر الثوابت، فالأفلاك لها كالأبدان والكواكب كالقلوب والملائكة كالأرواح، فنسبة الأرواح إلى الأرواح كنسبة الأبدان إلىالأبدان، ثم إنا نعلم أن اختلاف أحوال الكواكب والأفلاك مبادىء لحصول الإختلافات في أحوال هذا العالم فإنه يحصل من حركة الكواكب اتصالات مختلفة من التسديس والتربيع والمقابلة والمقارنة وكذا مناطق الأفلاك تارة ينطبق بعضها على بعض وهو الرتق، وعنده تبطل عمارة العالم وأخرى ينفصل بعضها عن البعض وهو ذلك الفتق وعنده تنتقل العمارات في هذا العالم من جانب إلى جانب، فإذا رأينا أن هياكل العالم العلوي مستولية علىهياكل العالم السفلي فكذا أرواح العالم العلوي يجب