للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله (يَأَيَتُها النَّفسُ المُطمَئِنَّة) خطاب مع جميع الأرواح البشرية، والعباد الذين يتصل بهم جميع الأرواح البشرية ليسوا إلا الملائكة، وأيضا: قال في شرح عظيم ثواب المطيعين: (وَالمَلائِكَةُ يَدخُلُونَ عَلَيهِم مِن كُلِ بابٍ سَلاٌم عَلَيكُم) الرعد: ٢٣، ٢٤ فجعل تسليم الملائكة عليهم منزلة عالية ودرجة عظيمة لهم، ولولا أن عالم الملائكة أشرف وإلا لم يكن اتصال أرواح البشرية بهم سببا لسعادة هذه الأرواح البشرية.

الحجة العشرون:

أن الملائكة مبرؤون عن الشهوة والغضب والخيال والوهم وهذه الصفات هي الحجب القوية عن تجليى نور الله، ولا كمال إلا بحصول ذلك التجلي، ولا نقصان إلا بحصول ذلك الحجاب، فلما كان هذا التجلي حاصلا لهم أبدا وفي أكثر الأوقات تكون الأرواح البشرية محجوبة عن ذلك التجلي، علمنا أنه لانسبة لكمالهم إلى كمال البشر، والذي يقال: الخدمة مع كثرة العوائق أدل على الإخلاص من الخدمة بدون العوائق، كلام خيالي لأن المقصود من جميع العبادات والطاعات حوصل ذلك التجلي، فأي موضع كان حصول ذلك للتجلي فيه أكثر، وعن المعاوق أبعد؛ كان الكمال والسعادة أتم، ولهذا قال في صفة الملائكة (يُسَبِحونَ اللَيلَ وَالنَّهارَ لاَ يَفتَرُونَ) الأنبياء: ٢٠.

الحجة الحادية والعشرون: الروحانيات فضلت الجسمانيات من وجوه: الأول: أنها نورانية علوية، والجسمانيات ظلمانية سفلية.

وثانيها: أن علومها أتم وذلك لأن الحكماء برهنوا على أن الروحانيات السماوية مطلعون على أسرار المغيبات، ناظرون في اللوح المحفوظ أبدا ناظرون عالمون بكل ما سيوجد في المستقبل، وبكل ماوجد في الماضي.

وثالثها: أن علومهم فعلية كلية دائمة وعلة البشر ناقصة انفعالية منقضية.

ورابعها: أن أعمالهم أتم لأنهم دائما مواظبون على الخدمة يسبحون الليل والنهار لا يفترون، لا يلحقهم نوم العيون، ولا سهر العقول، ولا غفلة

<<  <   >  >>