(وقال صلى الله عليه وسلم لما استقصر بعضهم طاعته:) إنى لأرجو أن أكون أعلمكم بالله وأشدكم له خشية (ففضل المعرفة وشدة الخشية على كثرة الأعمال، وليس لأأحد أن يفضل أحدا على أحد ولا يسوى أحدا بأحد حتى يقف على أوصاف التفضيل أو التساوي، فمن لا يعرف ما اشتملت عليه أرواح الأنبياء وأرواح الملائكة من المعارف والأحوال لا يجوز له أن يتعرض لشيء من التفضيل والتساوي إلا بمدرك شرعي، ولا يقدم على ذلك إلا هجوم لا يتقي الله ولا يخشى التمضخ بعار الكذب وقد جاء في التنزيل ما يدل على تفضيل البشر على الملائكة، فإنه تعالى ذكر جماعة من الأنبياء في سورة الأنعام فقال فيهم (وكلا فضلنا على العالمين) الأنعام: ٨٦ والملائكة من جملة العالمين لأنك إن اشتققت العالم من العلم فالملائكة من العلماء، وإن أخذته من العلامة اندرج فيه الملائكة وكل موجود سوى الله تعالى، لأن في كل منهم علامة تدل على قدرة الصانع وإرادته وعلمه وحياته وحكمته، انتهى كلام عز الدين.
وقال الحليمي في المنهاج: المختار أن الملأ الأعلى أفضل من سكان الأرض لقوله تعالى: (لَن يَستَنكِفَ المَسيحَ أَن يَكونَ لله وَلاَ المَلائِكَةُ المُقَرَبُونَ) النساء: ١٧٢ لأن هذا السياق في مثله يدل علىأن المذكور ثانيا أفضل مما قبله وأن في نفي الإستنكاف عن الأول دلالة على أن من دونه أولى بذلك، وكذلك في نحو نفي العلم بقولك: ما يدري هذا فلان ولا فلان، وأيضا فإن الشيطان غر آدم وحواء بقوله لهما (ما نَهاكُمَا رَبُكُما عَن هَذَهِ الشَجَرَةِ إِلا أَن تَكونَا مَلَكَينِ) الأعراف: ٢٠ فلو لم يعلما أن الملائكة أفضل لما دلاهما بغرور، وأيضا فقد جعل الله تعالى من جملة نعيم أهل الجنة