للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالسجود فأطاع فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلى النار (ومعلوم أن ابن آدم لم يؤمر إلا بالسجود لله تعالى فكذلك الشيطان، لا يقال: لو أمر به لما امتنع لأنه كان يعبد الله تعالى قبل ذلك لأنا نقول: إنما امتنع منه لا لأنه سجود لله تعالى، بل لما أمره بن في وجه آدم من تكريم آدم المشار إليه بقوله (أَرَأَيتُكَ هَذا الذَي كَرَمَتَ عَلَيَ) الإسراء: ٦٢ وقال في نفسه (أَنَا خَيرٌ مِنهُ) ص: ٧٦ فكيف لم يؤمر أحد بالسجود لله في وجهي عند تمام خلقي، فحسد آدم على ذلك، فإن قيل: إذا كان السجود لله تعالى في وجه آدم تكريما له على الساجد فقد حصل المطلوب من تفضيله على الملائكة، أجيب: بأنه لا يلزم من توهم إبليس ذلك تحققه إذ لا يلزم من سجود المصلين إلى الكعبة تكريم لها عليهم بل على سائر البقاع والجهات، كذلك اللازم فيما نحن فيه تكريم آدم على غيره من الجن والحيوانات، ومن لم يؤمر بالسجود في وجهه من سكان الأرض، واحتج أيضا بقوله تعالى (وَفَضَلَناهُم عَلىَ كَثَيرٍ مِمَن خَلَقَنَا تَفضِيلا) الإسراء: ٧٠ لدخول الملائكة في ممن خلقنا وأجيب: بأنهم فضلوا على الجن الداخلين فيه أيضا، فوجب أن لا يفضلوا على الملائكة، عملا بمقتضى التبعيض إذ العقلاء ثلاثة أصناف، انتهى.

وأورده الشيخ علاء الدين القونوي في مختصره المسمى بالإبتهاج بهذا اللفظ، إلا أنه لم يصرح بموافقة الحليمي على اختيار تفضيل الملائكة على الأنبياء، وقال الإمام فخر الدين الرازي في كتاب المعالم: المختار عندي أن الملك أفضل من البشر ويدل عليه وجوه، أحدها: أنه تعالى لما أراد أن يقرر عند الخلق عظيم استدل بكونه إلها للسموات والأرض وما بينهما فقال في سورة عم يتساءلون (رَبِ السَمَوَاتِ وَالأَرضِ وَما بَينَهُما الرَحمَنَ لاَ يَملِكُونَ مِنهُ خِطِابا) النبأ: ٣٧ ثم لما أراد الزيادة في تقرير هذا المعنى قال بعده (يَومَ يَقُومُ الرُوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفاً لاَ يَتَكَلَمُونَ إِلاّ مَن أَذِنَ لَهُ

<<  <   >  >>