للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخلاف في غير النبي صلى الله عليه وسلم، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فهو أفضل خلق الله أجمعين، وأما الصالحون من البشر غير الأنبياء فأكثر العلماء على تفضيل الملائكة عليهم وعندنا أن من كان منهم تقيا نقيا موافيا الموت على ذلك فقد يفضل على الملك باعتبارات المشقات في عبادته مع ما فيه من الدواعي إلى الشهوة وغيرها، لا سيما من كان خليفة سيد الأولين والآخرين عليه أفضل الصلاة والسلام، فإن قيل: كيف يستقيم أن يعتقد العصمة في جميع الملائكة ثم يقول هذا في غير المعصوم؟ وجوابه: أن ليس الكلام من جهة العصمة وإنما الكلام في التفضيل من جهة المشقة الحاصلة للعابد من البشر، ومع ذلك لا يكون ولى أفضل من نبي قط لاستوائهما في البشرية وزيادة النبي بالعصمة، والمختار عند الحنفية أن خواص البشر وهم المرسلون أفضل من جملة الملائكة، والملائكة الخواص أفضل من الأنبياء غير المرسلين والأنبياء غير المرسلين أفضل من غير الخواص من الملائكة ومنهم من وقف في التفضيل بين صالح البشر والملائكة، والحجة للمتقدم تكريم آدم عليهم بأمرهم بالسجود له وتفضيله عليهم بالخلافة والعلم، ولأن طاعة البشر أشف والآتي بالأشق أفضل، وقال الشيخ بدر الدين الزركشي في شرح جمع الجوامع: أما تفضيل الأنبياء على الملائكة فهو عقيدة الأشعري وجمهور أصحابه، وهو آخر أقوال أبي حنيفة فيما ذكره شمس الأئمة، لاجتماع العصمة مع التركيب المعرض للنوائب التي يجب الصبر عليها والشهوات التي يجب الصر عنها، ومن أحسن الأدلة قوله تعالى بعد ذكر جماعة من الأنبياء: (وَكُلاً فَضَلَنا عَلى العالَمِين) الأنعام: ٨٦ والملائكة من العالمين، فدل على أنهم أفضل منهم، وقوله (إِنَّ الَّذَينَ آَمَنوا وَعَمِلُوا الصالِحاتِ أَولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَة جَزاؤُهُم عِندَ رَبِهِم جَناتُ عَدنٍ) البينة: ٧، ٨ وأراد بني آدم لأن الملائكة لا يجازون، بل هم خدم أهل الجنة ولأن بهم قامت الحجة على خلقه بخلاف الملائكة، حتى قال تعالى: (وَلَو جَعَلَناهُ مَلَكاً لَجَعَلنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلنَاهُ رَجُلاً) الأنعام:٩

<<  <   >  >>