للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يعرضها عليه، فاعتذر له بأنه يريد أن يحدث بعض الناس، فقال له: أفأحدث عنك؟ قال: نعم. وهذه هي الإجازة١.

وممن أجاز تلاميذه من تابعي التابعين الأوزاعي وأبان بن أبي عياش وهشام بن عروة والليث بن سعد وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري٢.

٤٢٧- ولكننا قد نجد العذر لابن حزم، لأننا إذا تأملنا تلك الروايات عن هؤلاء المجيزين وجدناها تحتمل المناولة، وهو قد أقر بأن المناولة طريق صحيح من طرق الرواية.

وأين يقف الأئمة: مالك وأبو حنيفة والشافعي؟ أمع المعارضين للإجازة أو مع المجيزين لها؟ وقد وردت عنهم روايات تبين هذا وذاك.

٤٢٨- أما الإمام مالك فالحق أنه يرى صحة الإجازة في تلقي الحديث، ولكن بشروط خاصة تضيق من دائرة إجازتها، وتجعل البعض يظن أنه لا يجيزها، ومن هذه الشروط: أن يكون المجاز له من أهل العلم؛ حتى لا يأخذ الأحاديث فيحرف فيها، فإذا كان المتلقي غير عالم بهذا الفن فإن الإمام مالكًا لا يبيح له أن يأخذ الأحاديثإجازة، وعلى هذا يحمل كلامه في إنكاره الإجازة، يقول الخطيب البغدادي مبينًا موقف مالك هذا: "قد ثبت عن مالك، رحمه الله، أنه كان يحكم بصحة الرواية لأحاديث الإجازة، فأما الذي حكيناه عنه آنفًا -يعني الروايات التي لا تبيحها- فإنما قاله على وجه الكراهة أن يجيز العلم لمن ليس من أهله ولا خدمه، وعانى التعب فيه، فكان يقول: إذا امتنع عن إعطاء الإجازة لمن هذه صفته: يحب أحدهم أن يدعى قسًّا، ولم يخدم الكنيسة. فضرب ذلك مثلًا، يعني الرجل يحب أن يكون فقيه بلده، ومحدث مصره، من غير أن يقاسي عناء الطلب، ومشقة الرحلة اتكالًا على الإجازة". ويبين ابن عبد البر آثار الإجازة لغير أهل العلم بأنه قد رأى قومًا منهم يحدثون عن الشيخ بما ليس من حديثه وينقصون من إسناد الحديث الرجل والرجلين٤.


١ المصدر السابق ص ٤٣٦.
٢ الكفاية "هـ" ص ٣٢٠، ٣٢٢ - ٣٢٤ وص ٤٣٦ من المحدث الفاصل "المطبوع".
٣ الكفاية "هـ" ص ٣١٧.
٤ جامع بيان العلم وفضله ٢/ ٢١٩، ٢٢٠.

<<  <   >  >>