للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالحنطة مثلًا بمثل". وإن لم تكن حنطة ينبغي أن تجوز أيضًا، لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم" ولكن الحكم بخلاف ذلك؛ لتفاوت قائم في الحال عند الاعتبار بأجزاء غير المقلي، وذلك من التفاوت الذي يبتني على صنع العباد، وما كان كذلك يفسد العقد -كما تقدم- ولهذا قال السرخسي: "ما ذكر أبو حنيفة رحمه الله حسن في المناظرات لدفع الخصم، ولكن الحجة لا تتم به لجواز قسم ثالث كما في الحنطة المقلية"١.

ومعنى ذلك أنه يجوز أن نعتبر الرطب قسمًا ثالثًا لا يكون تمرًا مطلقًا لفوات وصف اليبوسة عنه، ولا يكون غيره مطلقًا؛ لبقاء أجزائه عند صيرورته تمرًا كالحنطة المقلية؛ فهي ليست عين الحنطة على الإطلاق، لفوات وصف الإنبات عنها بالقلي، وليست غيرها لوجود أجزاء الحنطة فيها، وكذلك الدقيق بالنسبة للحنطة. إذن فالاعتماد على المقياس الذي اعتمدوه أولى٢.

٦٨٤- ومما هو جدير بالذكر أن أبا يوسف ومحمدًا صاحبي أبي حنيفة عملا بحديث سعد رضي الله عنه، وليس معنى ذلك أنهما لا يأخذان بنفس هذ المقياس؛ أي عرض أحاديث الآحاد على الأحاديث المشهورة كلا، وإنما يريان أنه لا تعارض بين هذين الحديثين، فالمشهور تناول التمر، والرطب ليس بتمر عادة؛ أي: عرفًا، بدليل أن من حلف لا يأكل تمرًا فأكل رطبًا أو حلف لا يأكل الرطب، فأكله بعدما صار تمرًا لم يحنث.. وإذا كان الأمر كذلك فلا يكون المشهور متناولًا لما تضمنه حديث سعد رضي الله عنه، فلا تتحقق المخالفة، فيجب العمل به على رأيهما.

٦٨٥- وقد رجح أصوليو الأحناف رأي إمامهم الأعظم مجيبين عنه بأنه قد ثبت استعمالًا أن الرطب من جنس التمر، لكن اليمين قد تختلف باختلاف الداعي مع قيام الجنسية، والرطوبة في الرطب وصف داع إلى المنع مرة، وإلى الإقدام أخرى، فيتقيد اليمين بالوصف من أجل هذا ... ٣.


١ المبسوط، شمس الدين السرخسي - مطبعة السعادة. مصر- ١٢/ ١٨٥ - ١٨٦.
٢ كشف الأسرار ٢/ ٧٣٥ - ٧٣٦.
٣ المصدر السابق ٣/ ٧٣٦.

<<  <   >  >>