للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الأمور ليس من الآحاد، وإنما هو من الأخبار المشهورة، أما الوجوب فقد قبلناه، وإن كان من أخبار الآحاد، لأنه مما يجوز أن يوقف عليه بعض الخواص لينقلوه إلى غيرهم، فإنما قبلنا خبر الواحد في هذا الحكم، فأما أصل الفعل فإنما أثبتناه بالنقل المستفيض١.

٧٤٠- وأسس الأحناف المقياس الثاني وهو أن أخذ الصحابة بالحديث دليل على صحته، وإعراضهم عنه مع الاختلاف بينهم في الحكم، دليل على انقطاعه وعدم صحته -على أن الصحابة وهم الأصول في نقل الدين، لم يتهموا بترك الاحتجاج بما هو حجة ولم يتهموا بالكتمان والاشتغال بما ليس بحجة، وعنايتهم بالحجج كانت أقوى من عناية غيرهم بها -فترك المحاجة بخبر الواحد وعدم العمل به عند ظهور الاختلاف فيهم، وجريان المحاجة بينهم بالرأي والرأي ليس بحجة مع ثبوت الخبر دليل ظاهر -كما قلنا- على أنه سهو ممن رواه بعدهم أو منسوخ٢ وكلاهما لا يعمل به وليس بحجة.

٧٤١- وطبق الأحناف هذا المقياس، فردوا حديث: "الطلاق بالرجال" الذي تمسك به الإمام الشافعي، رحمه الله، في اعتبار عدد الطلاق بحال الرجل، وهو ما روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الطلاق بالرجال والعدة بالنساء".. والمراد به أن إيقاع الطلاق إلى الرجال. فالكبار من الصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا في هذا وأعرضوا عن الاحتجاج بالحديث أصلًا، فذهب عمر وعثمان وزيد وعائشة رضي الله عنهم، إلى أن الطلاق معتبر بحال الرجل في الرق والحرية، وذهب علي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما إلى أنه معتبر بحال المرأة، وهذا خلاف الحديث، ولم تحاج الطائفة الأولى الثانية بالحديث الذي سند رأيها ويقف بجانبه. وهناك قول ثالث أثر عنهم أيضًا، وهو ما روي عن ابن عمر أنه يعتبر بمن رق منهما حتى لا يملك الزوج عليها ثلاث تطليقات إلا إذا كانا حرين٣.


١ المصدر السابق حـ١ ص٣٦٩.
٢ كشف الأسرار حـ٣ ص٧٣٨.
٣ المصدر السابق حـ٣ ص٧٣٨ - ٧٣٩.

<<  <   >  >>