للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٨٩٠- وهكذا رأينا أن مالكًا لم يستطع أن يترك الحديث وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله، وكان من نتائج هذا القبول أن قال: إن غسل الإناء سبعًا على وفق ما جاء به الحديث عبادة، وأنه لا خير فيما ولغ فيه كلب، ولم يقل بنجاسته ووجوب غسله لأنه -بهذا الفهم- يتعارض مع ظاهر الآية الكريمة التي تحل أكل ما يصيده الكلب المعلم {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِين} ١.

٨٩١- ومثل هذا تمامًا حديث النهي عن أكل عن كل ذي ناب من السباع، فقد أخذ به، لكنه لم يحمل النهي على التحريم، وإنما على الكراهة؛ لأنه يتعارض -بفهم التحريم- مع كتاب الله تعالى -ولما كان ثابتًا ومعه العمل قال بالكراهة كما قلنا.

٨٩٢- أما عبارة "أنه لم يدر حقيقة هذا الحديث" فتدل على حيطة مالك وحذره إزاء ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما تدل على الجرأة على تركه، كما فهم بعض الدارسين لفقهه؛ لأنه -على الرغم من أنه يقول: إن الأمر بالغسل للاستحباب- فإنه لا يريد أن يحكم على الحديث بهذا الذي ذهب إليه، فأعلن أنه لا يدري ما حقيقة هذا الحديث من حيث فهمه، لا من حيث ثبوته، فهو ثابت عنده بدليل ما سبق من كراهته للماء الذي يشرب منه الكلب واستحباب غسل الإناء، وبدليل روايته في كتابه الموطأ فهو لا يروي فيه إلا أحاديث الثقات فقد سأله بعضهم عن راو، فقال: "هل رأيته في كتبي ... ؟ أي إنه لا يدون في كتبه إلا الثقات وأحاديثهم"٢.

٨٩٣- إذن لم يترك مالك هذا الحديث بالقياس -كما فهم بعض الباحثين- وإنما قبله لأنه صح عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد استخدم القياس هنا حقًّا، ولكنه استخدمه لتأييد فهمه للحديث لا لرده.


١ المائدة: ٤.
٢ المحدث الفاصل "المطبوع" ص٤١٠.

<<  <   >  >>