للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٨٩٤- والحديث الثاني شبيه بهذا من حيث إن الإمام مالكًا رواه في موطئه، فهذه دلالة على أنه صحيح، ومن حيث فهمه له فهمًا خاصًّا غير ما يدل عليه ظاهره، وهو تفسير التفرق بالكلام وإتمام الإيجاب والقبول؛ يقول الدكتور محمد يوسف موسى عليه رحمة الله مبينًا وجهة نظر مالك وغيره ممن ذهب مذهبه في خيار المجلس، موضوع هذا الحديث "أما من ناحية الأحاديث التي استدل بها الذين أثبتوا هذا النوع من الخيار، فإن الآخرين يعمدون إلى تأويلها -كما قلنا- وفهمها على نحو آخر لا يجعلها يؤخذ منها وجوب خيار المجلس للمتبايعين متى تم البيع بصدور الإيجاب والقبول من طرفيه عن رضًا منهما ... ومعنى هذا أن تلك الأحاديث -أحاديث خيار المجلس- صحيحة عند الجميع"١.

٨٩٥- وقد ذهب مالك إلى هذا الفهم حتى لا يتعارض الحديث مع الآية الكريمة التي تقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} فالله تعالى قد أباح للمشتري أكل ما يشتري، وللبائع أخذ الثمن بعد وقوع التجارة، وهي الإيجاب والقبول في عقد البيع وعن تراض، فالذين يمنعون ذلك بإيجاب الخيار "مدة المجلس" يخرجون عن ظاهر الآية ويخصصونها من غير دلالة وهذا ما توقاه مالك رحمة الله تعالى عليه٢.

٨٩٦- ويقول ابن العربي المالكي عند الكلام على هذه الآية مبينًا أنها هي وغيرها من الآيات التي وردت في ذكر البيع والشراء والمداينة والمعاملة إنما هي مطلقة لا ذكر للمجلس ولا لافتراق الأبدان فيها: "قوله تعالى: {عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} هو حرف أشكل على العلماء حتى اضطربت فيه آراؤهم، ... واختار الطبري أن يكون تأويل الآية إلا تجارة تعاقدتموها، وافترقتم بأبدانكم عن تراض منكم فيها، وهذه دعوى.. إنما يدل مطلق الآية على التجارة على الرضا وذلك ينقضي بالعقد، وينقطع بالواجب وبقاء


١ البيوع والمعاملات المالية المعاصرة: د. محمد يوسف موسى -الطبعة الثانية "١٣٧٣هـ - ١٩٥٤م" دار الكتاب العربي بمصر ٦٠.
٢ أحكام القرآن للجصاص حـ٢ ص١٧٥.

<<  <   >  >>