للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نجده في بعض الأحيان ينهى مطلقًا عن الرواية بالمعنى حتى يتسنى للناس أن ينهلوا من الحديث كما صدر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه.

يقول: "لا يجوز لأحد أن يختصر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتي ببعض الحديث ويترك بعضه، يحدث بالحديث كما روي عنه بألفاظه؛ ليدرك كل مما سمع منا ما فهمه الله تبارك وتعالى"١.

٩٦٩- وقد قدم أصوليو الأحناف قيودًا فيها بعض الشبه مما قاله الشافعي، قال السرخسي: إن الخبر إذا كان محكمًا له معنى واحد معلوم بظاهر المتن، يجوز نقله بالمعنى لكل من كان عالمًا بوجوه اللغة؛ لأن المراد به معلوم حقيقة، وإذا عبر الراوي بعبارات أخرى في أدائه لا تتمكن فيه تهمة الزيادة والنقصان.

٩٧٠- أما إذا كان ظاهرًا يحتمل غير ما ظهر من معناه كالعلم الذي يحتمل الخصوص والحقيقة التي تحتمل المجاز؛ فإنه لا تجوز روايته على المعنى إلا لمن جمع إلى العلم باللغة العلم بفقه الشريعة وطريق الاجتهاد؛ لأنه إذا لم يكن كذلك لا يؤمن عليه أن ينقله إلى ما لا يحتمل ما احتمله اللفظ الأصلي له من خصوص أو مجاز، ولعل العبارة التي يروي بها تكون أعم من تلك لجهله الفرق بين العام والخاص "فإذا كان عالمًا بفقه الشريعة يقع الأمن عن هذا التقصير منه عند تغيير العبارة، فيجوز له النقل بالمعنى كما كان يفعله الحسن والنخعي والشعبي رحمهم الله"٢.

٩٧١- ومثاله قوله عليه الصلاة والسلام: "من بدل دينه فاقتلوه" فموجبه العموم؛ لأن كلمة من "تتناول الذكر ولأنثى والصغير والكبير، لكن المراد منه محتمله وهو الخصوص إذا الأنثى والصغير والكبير، ليسا بمرادين منه لما عرف، فلو لم يكن للناقل معرفة ربما ينقله بلفظ لم يبق فيه احتمال الخصوص، بأن قال مثلًا: كل من ارتد فاقتلوه ذكرًا كان أو أنثى وحينئذ


١ مناقب الشافعي حـ٢ ص٣٠.
٢ أصول السرخسي حـ١ ص ٣٥٦.

<<  <   >  >>