للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَسَائِلُ عَلَى الحَدِيثِ:

- المَسْأَلَةُ الأُولَى: قَولُهُ تَعَالَى -فِي الحَدِيثِ القُدُسِيِّ-: «كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيتُهُ»، يُشْكِلُ مَعَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ المَرْفُوعِ «كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ فأَبَوَاه يُهَوِّدَانِهِ، أَو يُنَصِّرَانِهِ، أَو يُمَجِّسَانِهِ» (١) مِنْ جِهَةِ حُصُولِ الهِدَايَةِ ابْتِدَاءً! فَمَا الجَوَابُ؟

الجَوَابُ هُوَ مِنْ وَجْهَينِ:

١ - أَنَّ الخِطَابَ فِي حَدِيثِ البَابِ هُوَ عَنِ المُكَلَّفِينَ الَّذِينَ تَبَيَّنَ سَعْيُهُم، وَاخْتَارُوا طَرِيقَهُم، بَينَمَا الحَدِيثُ الآخَرُ: الكَلَامُ فِيهِ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُكَلَّفُوا بَعْدُ.

٢ - أَنَّ مَعْنَى الفِطْرَةِ فِي هَذَا الحَدِيثِ الثَّانِي هُوَ الاسْتِعْدَادُ لِقَبُولِ الإِسْلَامِ؛ وَلَيسَ هُوَ نَفْسَ الإِسْلَامِ.

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " قَدْ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ -وَفِي رِوَايَةٍ: مُسْلِمِينَ- فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ» (٢) وَلَيسَ كَذَلِكَ! فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ بَنِي آدَمَ، وَفَطَرَهُمْ عَلَى قَبُولِ الإِسْلَامِ، وَالمَيلِ إِلَيهِ دُونَ غَيرِهِ، وَالتَّهَيُّؤِ لِذَلِكَ، وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ بِالقُوَّةِ، لَكِنْ لَا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْ تَعْلِيمِ الإِسْلَامِ بِالفِعْلِ؛ فَإِنَّهُ قَبْلَ التَّعْلِيمِ جَاهِلٌ لَا يَعْلَمُ شَيئًا، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيئًا} [النَّحْل: ٧٨]، وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضُّحَى: ٧]، وَالمُرَادُ: وَجَدَكَ غَيرَ عَالِمٍ بِمَا عَلَّمَكَ مِنَ الكِتَابِ وَالحِكْمَةِ" (٣).


(١) البُخَارِيُّ (١٣٥٨)، وَمُسْلِمٌ (٢٦٥٨).
(٢) مُسْلِمٌ (٢٨٦٥) مَرْفُوعًا.
(٣) جَامِعُ العُلُومِ وَالحِكَمِ (٢/ ٣٩).

<<  <   >  >>