للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

- المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَلْ يُنْكَرُ عَلَى وُلَاةِ الأَمْرِ عَلَانِيَةً؟

الجَوَابُ: إِنَّ الإِنْكَارَ عَلَى الأُمَرَاءِ لَا يَكُونُ عَلَانِيَةً بِمَرْأًى مِنَ النَّاسِ! إِلَّا إِنْ كَانَ المُنْكَرُ عَلَانِيَةً تَفُوتُ فَائِدَةُ إِنْكَارِهِ بِمُضِيِّ وَقْتِهِ؛ وَإِلَّا فَالأَصْلُ الإِسْرَارُ.

فَالإِنْكَارُ عَلَى الوُلَاةِ نُقِلَ عَنِ السَّلَفِ، وَلَكِنَّهُم فَرَّقُوا بَينَ المُنْكَرِ الَّذِي يُفْعَلُ أَمَامَ النَّاسِ عَلَنًا كَحَالِ الأَمِيرِ الَّذِي قَدَّمَ خُطْبَتَيِّ العِيدِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَمَا بَينَ مَا يُجْرِيهِ فِي وِلَايَتِهِ؛ فَجَعَلُوا مَا يُجْرِيهِ فِي وِلَايَتِهِ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ النَّصِيحَةِ، وَمَا يَفْعَلُهُ عَلَنًا يَاتِي عَلِيهِ هَذَا الحَدِيثُ (١).

وَكَمَا فِي الصَّحِيحَينِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ؛ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَومَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى؛ فَأَوَّلُ شَيءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ -وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ- فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَامُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَو يَامُرَ بِشَيءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ -وَهُوَ أَمِيرُ المَدِينَةِ- فِي أَضْحىً أَو فِطْرٍ، فَلَمَّا أَتَينَا المُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ؛ فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ! فَجَبَذْتُ بِثَوبِهِ؛ فَجَبَذَنِي، فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ. فَقُلْتُ لَهُ: غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ! فَقَالَ: أَبَا سَعِيدٍ؛ قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ. فَقُلْتُ: مَا أَعْلَمُ -وَاللَّهِ- خَيرٌ مِمَّا لَا أَعْلَمُ. فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ" (٢).


(١) يُنْظَرْ: (شَرْحَ الأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ) لصَالِح آلِ الشَّيخِ (ص: ٤٧٢).
(٢) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٩٥٦)، وَمُسْلِمٌ (٨٨٩).

<<  <   >  >>