للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي الحَدِيثِ «حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ؛ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الخَيرِ شَيءٌ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مُوسِرًا -وَكَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ-، وَكَانَ يَامُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ المُعْسِرِ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلائِكَتِهِ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ؛ تَجَاوَزُوا عَنْهُ» (١).

" لَكِنْ إِذَا كَانَ الحَقُّ لَكَ؛ فَالتَّيسِيرُ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ لِغَيرِكَ فَالتَّيسِيرُ مُسْتَحَبٌّ، مِثَالُ ذَلِكَ: رَجُلٌ يَطْلُبُ شَخْصًا أَلْفَ رِيَالٍ -وَالشَّخْصُ مُعْسِرٌ؛ فَهُنَا يَجِبُ التَّيسِيرُ عَلَيهِ لِقَولِ اللهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيسَرَةٍ} [البَقَرَة: ٢٨٠]، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَطْلُبَهُ مِنْهُ، وَلَا أَنْ تُعَرِّضَ بِذَلِكَ، وَلَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِهِ عِنْدَ القَاضِي لِقَولِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيسَرَةٍ} وَمِنْ هُنَا نَعْرِفُ خَطَأَ أُولَئِكَ القَومِ الَّذِينَ يُطَالِبُونَ المُعْسِرِينَ، وَيَرْفَعُونَهُم لِلقَضَاءِ، وَيُطَالِبُونَ بِحَبْسِهِم! وَإِنَّ هَؤُلَاءِ -وَالعِيَاذُ بِاللهِ- قَدْ عَصَوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيسَرَةٍ} " (٢).

- قَولُهُ: «وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا»: السَّترُ لَهُ حَالَانِ:

١ - سَتْرٌ مَادِّيٌّ: بِإِعْطَائِهِ كِسْوَةً تَسْتُرُ عَورَتَهُ.

٢ - سَتْرٌ مَعْنَوِيٌّ: وَهُوَ سَتْرُ عَيبِهِ وَمَا وَقَعَ بِهِ مِنْ مَعْصِيَةٍ.

- السَّتْرُ عَلَى العَاصِي فِيهِ تَفْصِيلٌ:

١ - إِنْ كَانَ الوَاقِعُ فِي المَعْصِيَةِ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ، أَو كَانَ مَسْتُورًا لَا يُعْرَفُ بِشَيءٍ مِنَ المَعَاصِي؛ فَإِذَا وَقَعَتْ مِنْهُ هَفْوَةٌ أَو زَلَّةٌ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَشْفُهَا وَلَا هَتْكُهَا وَلَا التَّحَدُّثُ بِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ غِيبَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَرَدَتْ فِيهِ النُّصُوصُ.


(١) صَحِيحٌ. التِّرْمِذِيُّ (١٣٠٧) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (٣١٥٩).
(٢) شَرْحُ الأَرْبَعِينَ لِابْنِ عُثَيمِينَ (ص: ٣٥٩).

<<  <   >  >>