للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النُّور: ١٩]، وَالمُرَادُ: إِشَاعَةُ الفَاحِشَةِ عَلَى المُؤْمِنِ المُسْتَتِرِ فِيمَا وَقَعَ مِنْهُ، أَوِ اتُّهِمَ بِهَا وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهَا، كَمَا فِي قِصَّةِ الإِفْكِ.

وَفِي الحَدِيثِ «أَقِيلُوا ذَوِي الهَيئَاتِ عَثَراتِهِمْ إِلَّا الحُدُودَ» (١)، وَلَو تَابَ أَحَدٌ مِنَ أَهْلِ هَذَا النَّوعِ كَانَ الأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَتُوبَ فِيمَا بَينَهُ وَبَينَ اللهِ تَعَالَى، وَيَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ.

قُلْتُ: وَأَمَّا حَدِيثُ «ادْرَؤُوا الحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (٢)، لَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ إِجْمَالًا، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي سُنَنِ البَيهَقِيِّ الكُبْرَى مَوقُوفًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ " ادْرَؤُوا الجَلْدَ وَالقَتْلَ عَنِ المُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" وَهُوَ أَثَرٌ حَسَنٌ (٣).

٢ - مَنْ كَانَ مُشْتَهِرًا بِالمَعَاصِي، مُعْلِنًا بِهَا، لَا يُبَالِي بِمَا ارْتَكَبَ مِنْهَا وَلَا بِمَا قِيلَ لَهُ فِيهَا؛ فَهَذَا هُوَ الفَاجِرُ المُعْلِنُ، وَلَيسَ لَهُ غِيبَةٌ، وَمِثْلُ هَذَا لَا بَاسَ بِالبَحْثِ عَنْ أَمْرِهِ لِتُقامَ عَلَيهِ الحُدُودُ، وَلِيَنْكَفَّ شَرُّهُ وَيَرْتَدِعَ بِهِ أَمْثَالُهُ، وَيَكُونُ السُّكُوتُ


(١) صَحِيحٌ. أَبُو دَاوُدَ (٤٣٧٥) عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا. الصَّحِيحَةُ (٦٣٨).
وَ «ذَوِي الهَيئَاتِ» الَّذِينَ تُقَالُ عَثَرَاتُهُم: «هُمُ الَّذِينَ لَيسُوا يُعْرَفُونَ بِالشَّرِّ؛ فَيَزِلُّ أَحَدُهُم الزَّلَّةَ». نَقَلَهُ البَيهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الكُبْرَى (٨/ ٥٨٠) عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى.
وَ «إِلَّا الحُدُودَ»: المَعْنَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَو أُخِذَ بِجَرِيمَتِهِ وَلَمْ يَبْلُغِ الإِمَامَ؛ فَإِنَّهُ يُشْفَعُ لَهُ حَتَّى لَا يَبْلُغَ الإِمَامَ، أَمَّا إِذَا بَلَغَ الإِمَامَ فَلَا شَفَاعَةَ وَلَا إِقَالَةَ.
(٢) رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي التَّارِيخِ (٢٣/ ٣٤٧)، اُنْظُرِ الإِرْوَاءَ (٢٣١٦).
(٣) سُنَنِ البَيهَقِيِّ الكُبْرَى (١٧٠٦٤) مَوقُوفًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَاُنْظُرِ التَّعْلِيقَ عَلَى حَدِيثِ الضَّعِيفَةِ (٢١٩٨)، وَلَفْظُهُ هُنَاكَ (الحَدُّ) بَدَلُ (الجَلْدِ) كَمَا هُوَ عِنْدَ البَيهَقِيِّ وَفِي الإِرْوَاءِ (٢٣٥٥).

<<  <   >  >>