للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ، وَلَيسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا، وَيَقُولُونَ فِي قَولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي -حِينَ يَزْنِي- وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» (١): إنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الإِيمَانِ إلَى الإِسْلَامِ، وَدَوَّرُوا لِلْإِسْلَامِ دَارَةً، وَدَوَّرُوا لِلْإِيمَانِ دَارَةً أَصْغَرَ مِنْهَا فِي جَوفِهَا، وَقَالُوا: إذَا زَنَى خَرَجَ مِنَ الإِيمَانِ إلَى الإِسْلَامِ؛ وَلَا يُخْرِجُهُ مِنَ الإِسْلَامِ إلَى الكُفْرِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَال: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيئًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الحُجُرَات: ١٤] " (٢).

وَقَالَ الشَّيخُ ابْنُ دَقِيق العِيد رَحِمَهُ اللهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الأَرْبَعِينَ: "وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ

-يَعْنِي: أَبَا عَمْرو بْنَ الصَّلَاحِ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ-: هَذَا بَيَانُ أَصْلِ الإِيمَانِ؛ وَهُوَ التَّصْدِيقُ البَاطِنُ، وَبَيَانُ أَصْلِ الإِسْلَامِ؛ وَهُوَ الاسْتِسْلَامُ وَالانْقِيَادُ الظَّاهِرُ. وَحُكْمُ الإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ ثَبَتَ فِي الشَّهَادَتَينِ، وَإِنَّمَا أَضَافَ إِلَيهَا الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصَّومَ وَالحَجَّ لِكَونِهَا أَظْهَرَ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ وَأَعْظَمَهَا، وَبِقِيَامِهِ بِهَا يَصِحُّ إِسْلَامُهُ. ثُمَّ إِنَّ اسْمَ الإِيمَانِ يَتَنَاوَلُ مَا فُسِّرَ بِهِ الإِسْلَامُ فِي هَذَا الحَدِيثِ وَسَائِرَ الطَّاعَاتِ لِكَونِهَا ثَمَرَاتِ التَّصْدِيقِ البَاطِنِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الإِيمَانِ، وَلِهَذَا لَا يَقَعُ اسْمُ المُؤْمِنِ المُطْلَقُ عَلَى مَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً أَو تَرَكَ فَرِيضَةً، لِأَنَّ اسْمَ الشَيءِ مُطْلَقًا يَقَعُ عَلَى الكَامِلِ مِنْهُ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي النَّاقِصِ ظَاهِرًا إِلَّا بِنِيَّةٍ" (٣).


(١) البُخَارِيُّ (٢٤٧٥)، وَمُسْلِمٌ (٥٧) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا.
(٢) مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (٧/ ٤٧٦).
(٣) شَرْحُ الأَرْبَعِينَ لِابْنِ دَقِيق العِيد (ص: ٣٤).

<<  <   >  >>