للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

- المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَدْ رَدَّ هَذَا الحَدِيثَ طَائِفَةٌ مِن النَّاسِ؛ وَقَالُوا: إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِالتّرَدُّدِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَتَرَدَّدُ مَنْ لَا يَعْلَمُ عَوَاقِبَ الأُمُورِ، وَاللهُ تَعَالَى عَلِيمٌ بِالعَوَاقِبِ! فَمَا الجَوَابُ؟

الجَوَابُ: إِنَّ التَّرَدُّدَ قَدْ يَكُونُ لِعَدَمِ العِلْمِ بِالعَوَاقِبِ، وَقَدْ يَكُونُ لِمَا فِي الفِعْلَينِ مِنَ المَصَالِحِ وَالمَفَاسِدِ؛ فَيُرِيدُ الفِعْلَ لِمَا فِيهِ مِنَ المَصْلَحَةِ، وَيَكْرَهُهُ لِمَا فِيهِ مِنَ المَفْسَدَةِ؛ لَا لِجَهْلِهِ بِهِ! وَهُوَ الوَجْهُ هُنَا؛ فَإِنَّ العَبْدَ الَّذِي صَارَ مَحْبُوبًا للهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّ اللهَ يَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ، وَلَكِنْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ قَضَى بِالمَوتِ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ؛ وَهَذَا مَكْرُوهٌ مِنْ جِهَةِ حَبِيبِهِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي سُمِّيَ تَرَدُّدًا فِي الحَدِيثِ (١) (٢).


(١) انْظُرْ مَجْمُوعَ الفَتَاوَى (١٨/ ١٢٩) لِشَيخِ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
(٢) وَذَهَبَ الإِمَامُ البَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ وَغَيُرُهُ إِلَى مَعْنَيِينِ آخَرَينِ، فَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: "وَتَاوِيلُهُ عَلَى وَجْهَينِ، أَحَدِهِمَا: إِنَّ العَبْدَ قَدْ يُشْرِفُ فِي أَيَّامِ عُمُرِهِ عَلَى المَهَالِكِ مَرَّاتٍ ذَاتِ عَدَدٍ؛ مِنْ آفَةٍ تَنْزِلُ بِهِ، أَو دَاءٍ يُصِيبُهُ؛ فَيَدْعُو اللهَ، فَيَشْفِيهِ مِنْهَا؛ فَهُوَ المُرَادُ مِنَ التَّرَدُّدِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ، وَهَذَا عَلَى مَعْنَى مَا رُوِيَ «أَنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ البَلاءَ».
وَالوَجْهِ الأَخَرِ: أَنْ يَكُونَ المُرَادُ مِنْهُ تَرْدِيدَ الرُّسُلِ، مَعْنَاهُ: مَا رَدَدْتُ رُسُلِي فِي شَيءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرْدِيدِي إِيَّاهُمْ فِي نَفْسِ المُؤْمِنِ، كَمَا رُوِيَ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى وَإِرْسَالِ مَلَكِ المَوتِ إِلَيهِ، وَلَطْمِهِ عَينَهُ، ثُمَّ رَدِّهُ إِلَيهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَحَقِيقَةُ المَعْنَى فِي الوَجْهَينِ عَطْفُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى العَبْدِ، وَلُطْفُهُ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ". شَرْحُ السُّنَّةِ (٥/ ٢٠).

<<  <   >  >>