للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن شبهاتهم في ذلك استدلالهم بقوله تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣]، فقالوا: معناه لا تراه الأبصار.

وأُجيب (١) عن هذا بأن قوله تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ نفي للإحاطة، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، وعلى هذا فالآية دالة على إثبات الرؤية لا على نفيها، لكنها دالة على إثبات الرؤية من غير إحاطة.

وقد قيل في تفسير هذه الآية: لا تُدركه الأبصار في الدنيا، أو لا تُدركه أبصار الكفار (٢)، وهذان تفسيران مرجوحان:

أولًا: لأن الإدراك أخصُّ من مطلق الرؤية، وليس المنفي الرؤية.

ثانيًا: على هذا التفسير لا بد من التقييد أو التخصيص، أما على التفسير الأول، فالآية على إطلاقها.

ومن صفات ربنا أنه لا تُدركه الأبصار، وهذه صفة سلبية، وتقدم (٣) أن النفي الذي من صفات الله تعالى لا بد أن يتضمن ثبوتًا، فأما النفي الذي لا يتضمَّنُ ثبوتًا فلا يدخل في صفاته تعالى، بل كلُّ نفيٍ في صفاته فإنه مُتضمِّنٌ لإثبات، فنفي إدراك الأبصار له يتضمَّنُ إثباتَ كمال عظمته سبحانه، فلِكمالِ عظمته لا تُدركه الأبصار.


(١) منهاج السنة ٢/ ٣١٧، وبيان تلبيس الجهمية ٤/ ٤٢٠، وعنه في حادي الأرواح ٢/ ٦١٨.
(٢) تفسير الطبري ٩/ ٤٦٤ - ٤٦٥.
(٣) ص ٣٩.

<<  <   >  >>